للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكتفي فيها لجاج ونخوة ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني، وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر

وهذه هي الدول الثلاث الكبرى في بلاد العرب. وأما الممالك الصغيرة فكثيرة مثل "كندة" وغيرها وكذا الملوك المتفرقون مثل "كليب" ملك "بني وائل وتغلب" الذي قتله "جساس بن مرة"وثل "قيس بن زهير العبسي".

[أخلاقهم وعاداتهم، ما حسن منها وما قبح]

من أخلاقهم الحسنة، وعاداتهم الطيبة: الشجاعة، والعفة، والشهامة، والنجدة، وعلو الهمة، والحمية، وحفظ العهود، والإيفاء بالوعود، والمحافظة على الأعراض أشد المحافظة، فقد كان عندهم الموت أسهل من العار "حتى أدى ذلك ببعضهم إلى دفن بناتهم وهن أحياء خشية العار". ومنها المدافعة عن الجار، وحفظ الجوار، والسخاء، والكرم، والضيافة، للغريب والقريب. ومنها الافتخار بشدة البأس، وعزة النفس، وإباء الضيم، والولوع بالأشعار، لأنها ديوان العرب، والحكم والأمثال، والحلم والفصاحة، والغلو في حفظ الشرف ومكانة النفس.

وأما لغتهم فكانت من أعز الأشياء لديهم، حتى أنهم كانوا يأنفون من مخالطة غير العرب حفظا لها من العجمية.

ومن عاداتهم السيئة دفن بعض البنات وهن أحياء خشية العار، وقتل الأولاد خشية الفقر، والغلو في أخذ الثأر، حتى أنهم كانوا يشنون الحرب التي تزهق فيها النفوس الكثيرة في سبيل الأخذ بثأر رجل منهم، ومنها المنابزة بالألقاب. والنبز هو اللقب المستهجن القبيح. ومنها التبني "وهو أن يجعل الولد غير الحقيقي الذي يتخذ كالابن بمنزلة الابن الحقيقي يرث ويورث". ومنها عبادة غير الله، وكانت عبادتهم على أنواع مختلفة، ولهم آلهة وأصنام كثيرة: كاللات والعزى وهبل ونسر وسواع ويغوث ويعوق، وغير ذلك. وكان منهم من يعبد النجوم كالشمس والقمر وعطارد والمشتري، وغير ذلك. ومن ذلك أسماؤهم كعبد العزى وعبد يغوث وعبد شمس، ونحوها. وكان في بلادهم كثير من النصارى واليهود والمجوس.

وكانوا قبلا موحدين، يعبدون الله على ملة "إبراهيم الخليل" و"إسماعيل" عليهما السلام. ثم اتخذوا الأصنام لتكون واسطة بينهم وبين الله بزعمهم، إلى أن عبدوها وقدموا لها القرابين، وذبحوا الذبائح على اسمها.

فلما وصلوا إلى هذه الدرجة من الجهل والكفر وعبادة غير الله أرسل لهم رسوله المصطفى ونبيه المرتضى "محمدا" صلى الله عليه وسلم، فأرجعهم إلى الشريعة الحق: شريعة "إبراهيم وموسى وعيسى" والأنبياء من قبلهم، فهداهم بعد الضلال، وأرشدهم بعد الحيرة.

[المقدمة الثانية]

[شذرة في اللغة وآدابها]

[اللغة]

اللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عما في ضمائرهم بأساليب خاصة. وهي ضرورية للنوع الإنساني. وتلازمه من لدن دروجه إلى احتضاره. وبها يتميز عن سائر الحيوان.

وقد بلغت اللغات حد الكثرة، حتى قدرها بعضهم بثلاثة آلاف. وقد تشعبت هذه اللغات حتى أصبح من المستحيل ردها إلى أصولها التي اشتقت منها. وانقطع لذلك في (أوروبة وأمريكة) مئات الرجال. فأنفذوا أعمارهم في دراستها وتحليها. وغاية ما وصلوا إليه أن أرجعوا جميع اللغات إلى أصول ثلاثة: الأولى: اللغة الآرامية (السامية) ، نسبة إلى (الآراميين) وهم جيل من الناس كانوا يسكنون ما بين نهري (دجلة والفرات) قبل ألوف من السنين. واشتقت منها العربية والسريانية والعبرانية والقبطية والحبشية.

الثانية: اللغة (الطورانية) نسبة إلى (طوران) في (التركستان) . ومنها اشتقت التترية والتركية والصينية والجركسية والدانيماركية والهنكارية.

الثالثة: اللغة (الإيرانية) نسبة إلى (إيران) في (آسيا) . ومنها جاءت الفارسية واليونانية واللاتينية وما تفرع عنها من لغات (أوروبة) .

[اللغة العربية]

أما اللغة العربية - وهي إحدى اللغات السامية - فهي تمتاز بسلاسة العبارة، وبلاغة الاستعارة، وغزارة المادة.

وقد اتفق أهل البحث من العلماء على أن أوسع اللغات بحرا، وأطوعها تصريفا، وأجزلها عبارة، وأنصعها بيانا، هما اللغتان: العربية واليونانية. إلا أن مواد العربية - على كثرتها العجيبة - كلها أصلية، ومواد اليونانية، الكثير منها حاصل بالنحت والتركيب من أصلين فأكثر. فيكون غنى العربية من أصلها، وغنى اليونانية بصنع أهلها.

<<  <   >  >>