للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت وفاته سنة (٦٠٠) لميلاد المسيح عليه السلام، وسنة (٥٢) قبل الهجرة النبوية. وله من العمر خمسون سنة ومئة (١٥٠) .

[الكلام على شعره]

كان شاعرا فحلا مطبوعا، صافي الديباجة، كثير الطلاوة، حسن السبك، واضح المعاني. شديد الفخر، قوي الشكيمة في الحماسة. ولم أر بين شعراء المعلقات وغيرهم من شعراء الجاهلية من يدانيه في فخرياته إلا (الحارث بن حلزة اليشكري) صاحب المعلقة السابعة، وفي حماسياته إلا (عنترة بن شداد) صاحب المعلقة السادسة. فهو في شعره مهبط الحماسة، وموحى الفخر. مع لفظ جزل وأسلوب رائع. ومن شعره قوله يخاطب أحد أمراء (غسان) :

ألا فاعلم ... أبيت اللعن

أنا

على عمد سنأتي ما نريد

تعلم أن محملنا ثقيل، ... وأن زناد كبتنا شديد

وأنا ليس حي من معد ... يوازينا إذا لبس الحديد

وهجا (النعمان بن المنذر) هجاء كثيرا. منه قوله يعيره بأمه:

حلت سليمى بخبت بعد فرناج ... وقد تكون قديما في بني تاج

إذ لا ترجى سليمى أن يكون لها ... من بالخورنق من قين ونساج

وأن يكون على أبوابها حرس، ... كما تلفف قبطي بديباج

تمشي بعدلين من لؤم ومنقصة ... مشي المقيد في الينبوت والحاج

وقال فيه:

لحا لله أدنانا إلى اللؤم زلفة، ... وألأمنا خالا، وأعجزنا أبا

أجدرنا أن ينفخ الكير خاله، ... يصوغ القروط والشنوف بيثربا

ومن شعره قوله:

معاذ الإله أن تنوح نساؤنا ... على هالك، أو أن تضج من القتل

قراع السيوف بالسيوف أحلنا ... بأرض براح ذي أراك وذي أثل

فما أبقت الأيام ملمال عندنا ... سوى جذم أذواد محذفة النسل

ثلاثة أثلاث: فأثمان خيلنا، ... وأقواتنا، وما نسوق إلى القتل

[معلقته وسبب نظمها]

معلقة (عمرو بن كلثوم) أشهر شعره وأشعره. وهي حماسية فخرية. قيل: أنها كانت ألف بيت ونيف. وما وصل إلينا هو جزء يسير منها. قال (معاوية بن أبي سفيان) : "قصيدة (عمرو بن كلثوم) وقصيدة (الحارث ابن حلزة) من مفاخر العرب، وكانتا معلقتين بالكعبة".

وقد قام (عمرو) بها خطيبا في (سوق عكاظ) ، وقام بها في موسم (مكة) . و (بنو تغلب) تعظمها جدا، ويرويها صغارهم وكبارهم. حتى هجوا بذلك. قال بعض شعراء (بكر بن وائل) :

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يروونها أبدا مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم

والخطب الذي دعا إلى نظمها ليس واحدا على ما يتراءى لمن يتتبع أبيات القصيدة. ويفهم ذلك من اختلاف الرواة في سبب نظمها. ففي (كتاب الأغاني) يصرح أنه قالها على أثر ما جرى لأمه عند (عمرو بن هند) كما ذكرنا ذلك في ترجمته. وفي كتاب (خزانة الأدب) للبغدادي نقلا عن (الخطب التبريزي) أنه أنشدها بحضرة الملك (عمرو بن هند) . فلعله نظمها في واقعتين: الأولى كانت على أثر الخلاف الذي كان بين قومه (التغلبيين) وبين بني أعمامهم (البكريين) ، وتقاضيهم إلى (عمرو بن هند) وكان قد أصلح بينهما بعد حرب (البسوس) الشهيرة. وشرط عليهما شروطا إذا اختصما. فلما جاؤوه للتقاضي كان (ابن كلثوم) سيد (تغلب) . (النعمان بن هرم) سيد (بكر) فجرى بينهما جدال بين يدي (عمرو بن هند) ملك (الحيرة) . وكان (ابن هند) يؤثر (بني تغلب) على (بني بكر) فغضب فضبا شديدا حتى هم بطرد (النعمان) . فأنشد إذ ذاك (عمرو بن كلثوم) قصيدته. (كما سيأتي تفصيل الحادثة بأوسع من هذا الكلام على ترجمة (الحارث بن حلزة) إن شاء الله تعالى) .

والواقعة الثانية كانت على أثر احتقار (أم عمرو بن هند) لأم (عمرو بن كلثوم) كما فصلنا ذلك من قبل. ثم أتم قصيدته مفصلا فيها هذه الواقعة الثانية.

[نخبة من معلقته]

ألا هبي بصحنك، فاصبحينا ... (ولا تبقي خمور الأندرينا)

مشعشعة، كأن الحص فيها، ... إذا ما الماء خالطها سخينا

تجور بذي اللبانة عن هواه ... (إذا ما ذاقها) حتى يلينا

ترى اللحز الشحيح إذا أمرت ... عليه لماله فيها مهينا

وإنا سوف تدركنا المنايا ... مقدرة لنا، ومقدرينا

قفي قبل التفرق ... يا ظعينا

نخبرك اليقين، وتخبرينا

<<  <   >  >>