للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصابه هندواني فأقصده، ... أو ذابل من رماح الخط معتدل

كلا، زعمتم بأنا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم

يا قومنا

قتل

نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية ... جنبي فطيمة، لا ميل، ولا عزل

قالوا: الصراد، فقلنا: تلك عادتنا، ... أو تنزلون، فإنا معشر نزل

[النابغة الذبياني]

توفي سنة (٦٠٤) م. وسنة (١٨) قبل الهجرة هو (زياد بن معاوية بن ضباب) وينتهي نسبه إلى (سعد بن ذبيان) . ثم إلى (مضر بن نزار بن معد بن عدنان) . وكنيته (أبو أمامة) وإنما لقب بالنابغة لنبوغه في الشعر وبلوغه منه مبلغ الفحول. وقيل: بل لغير ذلك وما ذكرناه هو أقرب إلى الحق.

وهو أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم. وهو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء.

وكان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ. فتأتيه الشعراء. فتعرض عليه أشعارها. فكان أول من أنشده في أحد المواسم (الأعشى) ثم (حسان بن ثابت) ثم أنشدته الشعراء. هم أتته (الخنساء) أخت (صخر) فأنشدته قصيدة. منها قولها في أخيها صخر:

وإن صخرا لتأتم الهداة به، ... كأنه علم في رأسه نار

فقال: "والله لولا أن أبا بصير (يعني الأعشى) أنشدني آنفا لقلت أنك أشعر الجن والإنس". فقام إليه حسان، فقال: "والله لأنا أشعر منك ومن أبيك" فقال له النابغة: "يا ابن أخي، إنك لا تحسن أن تقول:

فإنك كالليل الذي هو مدركي، ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

فخنس حسان لقوله:

[ما جرى للنابغة مع النعمان بن المنذر]

كان (النابغة) كبيرا عند (النعمان بن المنذر) . وكان من ندمائه وأهل أنسه. وكان مقدما لديه على كل ما يتقرب منه. فكثر ماله، ووفرت نعمته لذلك. حتى إنه لم يكن يأكل إلا في آنية الذهب والفضة من عطاياه وعطايا أبيه وجده، ولا يستعمل غير ذلك.

غير أن الوشاية والحسد كالنار تصيب الخشب فتلتهمه التهاما. فقد غضب النعمان على النابغة بوشاية (المنخل بن عبيد اليشكري) . وذلك: أن النابغة والمنخل كانا جالسين عند النعمان (وكان النعمان دميماً أبرش قبيح المنظر. وكان المنخل من أجمل العرب وكان يرمي بالمتجردة زوجة النعمان. فقال النعمان للنابغة: "يا أبا أمامة صف المتجردة في شعرك". فقال قصيدته التي وصفها فيها. (وسيأتي ذكر نبذة منها) وقد وصف فيها كل أعضائها حتى ما يستقبح ذكره. وكان المنخل فاسقا. وكان النابغة عفيفا تقيل. فلحقت المنخل من ذلك غيرة. فقال للنعمان: "ما يستطيع أن يقول هذا الشعر إلا من جرب". فوقر ذلك في نفس النعمان. فخافه النابغة فهرب إلى ملوك غسان بالشام.

فلما صار النابغة إلى غسان نزل على (عمرو بن الحارث الأصغر ابن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر) . فمدحه ومدح أخاه (النعمان) ولم يزل مقيما مع (عمرو) حتى مات. وملك أخوه (النعمان) فصار معه.

وكان في أثناء ذلك يمدح النعمان بن المنذر ويعتذر إليه. ويتبرأ مما وشى به المنخل. فقال في ذلك قصائد هي قلائد العقيان، وكانت هي أشعر شعره.

ثم أتى إلى النعمان بعد هربه منه. وقد سئل (عمرو بن العلاء) فقيل له: (أمن مخافته امتدحه وأتاه بعد هربه منه، أم لغير ذلك؟ ". فقال: "لا لعمر الله، لا لمخافته فعل. إن كان لآمنا من أن يوجه إليه جيشا. وما كانت عشيرته لتسلمه لأول وهلة. ولكنه رغب في عطاياه وعصافيره".

وقد حدث (حسان بن ثابت) أنه قدم على النعمان بن المنذر وقد امتدحه. فأمر له بجائزة سنية. وبقي ببابه إلى أن قدم (النابغة) بعد هربه من النعمان وهو في جوار رجلين من (فزارة) كان بينهما وبين النعمان خاصة فضرب عليهما قبة أدم. ولم يشعر بأن النابغة معهما. وقد دس النابغة قينة لتغني النعمان بشعره:

يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت، وطال عليها سالف الأبد

فلما سمع الشعر قال: "أقسم بالله إنه لشعر النابغة". وسأل عنه فأخبر أنه مع الفزاريين. فخرج إليه فعارضه الفزاريان، وقالا له: "أبيت اللعن. لا تثرب. قد أجرناه والعفو أجمل". فأمنه واستنشده أشعاره.

قال حسان: "فحسدته على ثلاث، لا أدري على أيتهن كنت له أشد حسدا: على إدناء النعمان له بعد المباعدة ومسامرته له وإصغائه إليه؟، أم على جودة شعره؟، أم عل مئة بعير من عصافيرة أمر له بها؟ ".

<<  <   >  >>