للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إني أتيتك للتسليم أمس، فلم ... تأذن عليك لي الأستار والحجب

وقد علمت بأني لم أرد، ولا ... والله، ما رد إلا العلم والأدب

فأجابني ابن عبد كان:

لو كنت عافيت بالحسنى لقلت كما ... قال ابن أوس، وفيما قاله أدب

ليس الحجاب بمقص عنك لي أملاً ... إن السماء ترجى حين تحتجب

وقيل لجبان في موقف حرب: تقدم فقاتل، فأنشأ يقول:

وقالوا: تقدم، قلت: لست بفاعل ... أخاف على فخارتي أن تحطما

فلو كان لي رأسان، أتلفت واحداً ... ولكنه رأس إذا مات أعقما

وأيتم أولاداً، وأرمل نسوة ... فكيف على هذا ترون التقدما؟

ووقف بعض الشعراء بباب أمير الرقة، فلما مثل بين يديه أنشده:

ماذا أقول إذا أتيت معاشراً ... صفراً يدي من جود أروع مجزل

إن قلت: أعطاني كذبت، وإن أقل ... بخل الأمير بما له لم يجمل

ولأنت أعلم بالمكارم والعلا ... من أن أقول: فعلت ما لم تفعل

فاختر لنفسك ما أقول؛ فإنني ... لابد مخبرهم وإن لم أسأل

فأعطاه عشرة آلاف درهم وكتب معها:

أعجلتنا، فأتاك عاجل برنا ... قلاً، ولو أمهلتنا لم نقلل

فخذ القليل، وكن كأنك لم تسل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل

وقدم الحطيئة المدينة فوقف على عيينة، فقال له: أعطني، فقال: ما لك عندي حق فأعطيكه، وما في مالي فضل عن عيالي، فخرج مغضباًن وعرفه جلساؤه، فأمر برده، ثم قال له: يا هذا، إنك وقفت إلينا، فلم تستأنس ولم تسلم، وكتمتنا نفسك، كأنك كنت مجتنباً، قال: هو ذاك، قال: فاجلس؛ فلك عندنا ما تحب، فجلس، فقال له: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:

ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يغره، ومن لا يتق الشتم يشتم

وأتى الشعبي مسجداً، فصادف فيه قوماً يغتابونه، فوقف عليهم، ثم قال:

هنيئاً مريئاً، غير داء مخامر=لعزة من أعراضنا ما استحلت

وقال الهيثم بن عدي: لما انفرد سفيان بن عيينة، ومات نظراؤه من العلماء، تكاثر الناس عليه يسألونه، فأنشأ يقول:

خلت الديار، فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤود

وقال بعض الرؤساء لأبي العيناء: أبا العيناء، لو مت لرقص الناس طرباً وسروراً، فقال بديهاً:

أردت مذمتي، فأجدت مدحي ... بحمد الله ذلك، لا بحمدك

فلا تك واثقاً أبداً بعمد ... فقد يأتي القضاء بضد عمدك

أجل، الناس قد ذهبوا، فلو رآني الموتى لطربوا، فما زالوا يغبطونكم بي ويرحموني بكم.

وقيل لأبي العيناء: إن جماعة الكتاب يلومونك، فأنشد:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباناً علي لئامها

وقال له يوماً عبد الله بن سليمان: اعذرني؛ فإني مشغول، فقال له: إذا فرغت لم نحتج إليك:

فلا تعتذر بالشغل عنا؛ فإنما ... تناط بك الآمال، ما اتصل الشغل

وقيل له: الناس مع أبي علي البصير عليك، وهم إليه أميل، فقال:

سقيتهم الردى، لما رموني ... فقالوا: أبغضوك، فقلت: أدري

كبغض بني قريش في علي ... ولا ذنب سوى أحد، وبدر

وأتي العريان بن الهيثم بغلام سكران. فقال له: ابن من أنت؟ فقال:

أنا ابن الذي لا تنزل ... الدهر

قدره

وإن نزلت يوماً فسوف تعود

فظن أنه ابن أحد الأشراف، فخلى سبيله، فكشف الغيب أنه ابن فوال.

وسئل ابن شبرمة عن إنشاد الشعر، هل ينقض الوضوء أم لا؟ فأنشد:

يا صلح إن فتاة كنت أعشقها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول

ثم قام فصلى.

ووجد المنصور على كاتب له، فأمر بإحضاره، ودعا بالسياط، فقال: يا أمير المؤمنين:

ونحن الكاتبون، وقد أسأنا ... فهبنا للكرام الكاتبينا

فضحك منه وعفا عنه.

وأبطأ عبد الله بن يحيى عن الديوان، فأرسل إليه المتوكل يستفهمه عن حاله، فكتب إليه:

عليل من مكانين ... من الإفلاس والدين

ففي هذين لي شغل ... وحسبي شغل هذين

وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يضاجر أخاه، فقال له أخوه: والله لأهجونك، فقال: فكيف تهجوني وأبي أبك، وأمي أمك؟ قال: اسمع ما أقول:

لئيم أتاه اللؤم من ذات نفسه ... ولم يأته من إرث أم ولا أب

<<  <   >  >>