للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن دمع الحزن يحسب قطره ... ماء بروداً، وهو جمر مضرم

وإذا رأيتك قفرة من معشري ... وبني أبي، وهم لعمرك ما هم؟!

فكأنني عاينت حفرة مالك ... وكأنني

وجداً عليه

متمم

وقلت:

وا وحشتي في الدار لما أصبحت موشحة من الظباء العين

كانت عريناً، وكناساً فاغتدت ... مقفرة الكناس والعرين

تقارن الأسد بها عين المها ... والدهر قطاع قوى القرين

فأصبحت كما ترى ليس بها ... إلا دواعي الوجد والحنين

وقلت:

نظرت إلى دار الأحبة قفرة ... وقد كان فيها العز والكرم المحض

فلما رأى صحبي عليها تلددي ... ودمعي بكى بعض وعنفني بعض

وقالوا: أفق، للأرض تبكي؟ فقلت: لا ... ولكنني أبكي لمن وارث الأرض

وقلت:

يا دار إن بخلت على ... مغناك سارية العهاد

فلأمطرنك من دمو ... عي ما ينوب عن الغوادي

حتى تعود رباك حا ... لية مفوفة الوهاد

كم حل ربعك من غض ... يض الطرف ممنوع الوداد

يستوقف الأبصار فه ... ي عليه حائمة صوادي

فرمت جموعهم اللي ... الي بالتشتت والبعاد

وصروف هذا الدهر تط ... رق بالحوادث أو تغادي

عاداتها رد الأمو ... ر من الصلاح إلى الفساد

يحسن لا عمداً ويأ ... تين الإساءة باعتماد

وقلت:

ما أنت أول من تناءت داره ... فعلام قلبك ليس تخبو ناره؟

إما السلو أو الحمام، وما سوى ... هذين قسم ثالث تختاره

ما بعد يومك من لقاء يرتجى ... أو يلتقي جنح الدجى ونهاره

هذا وقوفك للوداع وهذه أظعان من تهوى وتلك دياره

فاستبق دمعك فهو أول خاذل ... بعد الفراق، وإن طما تياره

مدد الدموع يقل عن أمد النوى ... إن لم تكن من لجة تمتاره

وقلت - وكتبت بها إلى أخي عز الدولة أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد - رحمه الله - وأنا بالعسكر الأتابكي بإربل:

وإن امرأ أضحت بإربل داره ... وفي سيزر إخوانه وشجونه

لغير ملوم في الحنين إليهم ... ومعذورة أن تستهل جفونه

وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي - رحمه الله -:

فيا أيها الدار التي شط أهلها ... وبالرغم مني أن سكانها شطوا

رضيت بحكم الدهر فيك وإنما ... رضى من نأت أحبابه بالنوى سخط

بهم كانت الدنيا التي غدرت بهم ... كأنهم فيها الحيا، والورى قحط

تزيد بهم هذي البسيطة بسطة ... ومن مثلهم يستحسن القبض والبسط

أعارتهم الأيام وارتجعتهم ... وكل بخيل في مواهبه ضبط

[فصل آخر في ذكر الدار]

قالت محبوبة الهذلية:

بان الخليط وخف حاضره ... لما دعا بالبين طائره

يا أنسنا من قرب دارهم ... قبل الذي كنا نحاذره

وتخلفت من بعد فرقتهم ... أوصال صب سار سائره

يا للرجال لأسر مرتهن ... جلب البلاء عليه ناظره

لم يغن عنه عز أسرته ... شيئاً، ولم تنفع معاشره

هذي موارد ما بليت به ... والله أعلم ما مصادره

وقال آخر:

يقول خليلي يوم أكثبة النقا ... وعيناي من فرط الهوى تكفان

أمن أجل دار بين لوذان والنقا ... غداة اللوى عيناك تبتدران؟!

فقلت له: لا، بل قذيت، وإنما قذى العين مما هيج الطللان

فؤاد إذا ما قلت يصحو جلبتما ... عليه الهوى والشوق كل أوان

وقال الراجز:

هل تعرف الدار بأعلى ذي القور ... قد درست غير رماد مكفور

مكتئب اللون مراح ممطور ... أزمان عيناء سرور المسرور

عيناء حوراء من العين الحور وقال آخر

يا دار ما للكرب حين وقفتهم ... ما إن سقاك من الدموع لماظ

ترك الغرام عقولهم مشدوهة ... فتخالهم رقدوا وهم أيقاظ

عهدي بظلك والشباب نزيله ... أيام ربعك للحسان عكاظ

وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -:

أمن أجل دار بالمصلى إلى منى ... تعاد كما عيد السليم المؤرق؟!

حنيناً إليها والتواء من الجوى ... كأنك في الحي الولود المطرق

أجل تراب الأرض كانوا حلولها ... وأجزع من مرى عليها وأشفق

<<  <   >  >>