للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذاك الليالي، ليس فيها بسالم ... صديق، ولا يبقى عليها خليلها

[١٦- فصل في بكاء الأهل والإخوان]

قلت: هذا الفصل كان موضعه صدر الكتاب؛ إذ كانت المنازل والديار إنما تبكي لسكانها من الأهل والإخوان والأحباب، لكني أخرته؛ لأختم به الكتاب.

روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - أنه كان كثيراً ما يتمثل بهذا الشعر:

ألا قد أرى والله أن لست منكم ... ولا أنتم مني، وإن كنتم أهلي

وإني ثوى قد أحم انطلاقه ... يحييه من حياه وهو على رجل

ومنطلق منكم بغير صحابة ... وتابع إخواني الذين مضوا قبلي

ألم أك قد صاحبت عمراً ومالكاً ... وأدهم يغدو في فوارس أو رجل؟!

وصاحبت شيباناً وصاحبت ضابئاً ... وصاحبني الشم الطوال بنو شبل

أولئك إخواني مضوا لسبيلهم ... يكاد ينسيني تذكرهم عقلي

يقول أناس أخلياء: تناسهم ... وليس بناس مثلهم أبداً مثلي

أولاك أخلائي إذا ما ذكرتهم ... بكيت بعين ماء عبرتها كحلي

وكانوا إذا ما القر هبت رياحه ... وضم سواد الليل رحلاً إلى رحل

يدرون بالسيف الوريدين والنسا ... إذا لم يقم راعي أناس إلى رسل

إذا ما لقوا أقرانهم قتلوهم ... وإن قتلوا لم يقشعروا من القتل

فكم من أسير قد فككتم قيوده ... وسجل دم أهرقتموه على سجل

وقال يزيد بن ضبة بن مقسم:

لم ينس سلمى فؤادك السدك ... وكيف تصبو وأنت محتنك؟

لو كان ما واحداً هواك لقد ... أقصرت، لكن هواك مشترك

تقول سلمى ... واستنكرت

: عجباً

ما بال أشياء منك تنتهك

فقلت: من ترحة، ومن أسف ... أبناء عوف ومالك هلكوا

خلوا فجاجاً علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا

وقال وعيل العبسي:

ألم ترني بعد الذين تتابعوا ... وكانوا الألى أعطي بهم وأمانع

كذي وقرات كدن يكسرن عظمه ... ولن تلبث العظم الصحيح القوارع

فإني وتأميلي الحياة، وقد مضوا ... كمحتبس عن مطلع، وهو طالع

وقال مقاس بن شريك بن عمرو، حليف لبني شيبان:

بكيت شريكاً في الغوار، وأسودا ... وذو العلق حتى ما بعيني من بلل

رجالاً له ربعية المجد لم يخف ... مجاورهم ريب الحوادث والزلل

وكنا بهم نرعى الجميع، ونأكل الر ... بيع، ونكفي حامل الغرم ما حمل

وقال ابن المعتز:

لله أقوام فقدتهم ... سكنوا بطون الأرض والحفرا

وقال نهار بن توسعة، يرثي أخاه عتبان:

عتبان قد كنت امرأ لي جانب ... حتى رزئتك، والجدود تضعضع

قد كنت أشوس في المقادة سادراً ... فنظرت قصدي واستقام الأخدع

وفقدت إخواني الذين بعيشهم ... قد كنت أعطي ما أشاء وأمنع

فلمن أقول، إذا تلم ملمة ... أرني برأيك، أو إلى من أفزع؟!

وقال البراء بن ربعي:

أبعد بني أمي الذين تتابعوا ... أرجى حياة، أو من الموت أجزع؟!

ثمانية كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع

وكانوا كنبل المرتمى في كنانة ... فأضحت وما فهيا من النبل أهزع

وقال أبو كبير الهذلي:

ولرب من طأطأته في حفرة ... من كل مقتبل الشباب محبر

ثم انثنيت، فلا أبثك خيبتي ... رعش القيام أميس ميس الأصور

وقال آخر:

أصبحت بعد مضرس ومغلس ... غرضاً بصردحة لمن راماني

فلأرمينهم ... برغم أنوفهم

أبداً على عدم من الفتيان

أنشد أبو زيد عن المفضل:

أخ لا أخا لي غيره، غير أنني كراعي الخيال يستطيف بلا فكر

فإن حراماً أن أرى الدهر باكياً ... على إلفه إلا بكيت على عمرو

وقال هذيلة بن سماعة بن أشول:

وعاذلة باتت بليل تلومني ... فبت كأن الهم قرن أجاذبه

ذكرت بني سهل وبيني وبينهم ... شراج الحمى أركانه ومناكبه

أجدى لن ألقى زياداً، ولا أرى ... قناناً يقود الخيل شعثاً ذوائبه

ولا مثل فتيان تولوا بمنعجٍ ... عجالي إذا ما الخوف أوضع راكبه

رجالاً لو أن الصم من جانبي قنا ... هوت مثلهم منه لزلت جوانبه

<<  <   >  >>