للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما الذّلفاء يا قوتةٌ ... أخرجت من كيس دهقان

فقوله ((قوتتن)) هو العروض، ووزنه فاعلن، وقوله ((قاني)) هو الضرب هو الضرب ووزنه فعلن بإسكان العين. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((إنما)) . ووصل همزة القطع ضرورةً. العروض الثالثة مخبونة محذوفة لها ضربان الأول مثلها، وبيته:

للفتى عقلٌ يعيش به ... حيث تهدى ساقه قدمه

فقوله ((شُبهى)) هو العروض، وقوله ((قدمه)) هو الضرب. ووزن كل منهما فعلن بتحريك العين. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((يعيش)) . الضرب الثاني أبتر وبيته.

ربّ نارٍ أرمقها ... تقضم الهندىَّ والغارا

فقوله ((مقها)) هو العروض وقوله ((غارا)) هو الضرب، ووزنه فعلن بإسكان العين. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((بهندى)) . ويدخل هذا البحر من الزحاف الخبن وهو حسن، والكف وهو صالح، والشكل وهو قبيح. فبيت الخبن:

ومتى مايع منك كلاماً ... يتكلم فيجيبك بعقلِ

أجزاؤه كلها مخبونة: وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((متى مايع)) . وبيت الكف:

لن يزال قومنا مخصبين ... صالحين ما اتقوا واستقاموا

أجزاؤه السباعية كلها مكفوفة إلا الضرب، فإنه لم يكف حذراً من الوقوف على المتحرك. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((مخصبين)) . وبيت الشكل:

لمن الديار غيرهنَّ ... كلُّ جونِ المزن داني الرَّباب

فقوله ((لمندد)) وقوله ((يرهنن)) وزن كل منهما فعلات، فكلاهما مشكول. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((كل جون ربابه)) . وقد سبق لنا أن المعاقبة ثابتة في هذا البحر بين كل سببين اجتمعا، وأن فيه صدراً وعجزاً وطرفين. وبيت الطرفين:

ليت شعري هل لنا ذات يومٍ ... بجنوب فارعٍ من تلاق

قوله ((بجنوب)) وزنه فعلاتُ فيه ((الطّرفان)) لأن ألفه حذفت لثبات نون الجزء الذي قبله، ونونه هو حُذفت لثبات ألف الجزء الذي بعده. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ليت شعري هل لنا)) . واعلم انه يجوز في العروض الأولى من الزحاف ما يجوز في الحشو، وهو الخبن والكف والشكل، وأما الضرب الأول فلم يوافق الحشو إلا في الخبن لأنه لو كف لزم الوقوف على الماحرك، ويلزم من ذلك امتناع الشكل. واما العروض الثانية فلم يدخلها الخبن حذر التباسها بالثلثة. واما ضربها المقصور فمنع الخليل دخول الخبن فيه وأجازه الأخفش، وعلة المنع قلة مجيء هذا الضرب في كلامهم حتى زعم الزجاج أنه لم يجيء منه إلا قصيدة واحد للطّرمّاح أولها:

شت شمل الحي بعد التئام ... وشجاك اليوم ربع المقام

والزحاف إنما سببه الكثرة إذ هي الداعية إلى التخفيف، مع كراهتهم أن يجمعوا عليه ثلاث تغييرات، وهي الخبن مع الاسكان والحذف وهما مسمى القصر. وزعم أبو الحكم أن مذهب الأخفش أقيس. قال: لأن ألفه واقعة بين وتدين، وكلُّ ما كان كذلك فزحافه جائز اتفاقا. ثم اعترض علة المنع بأن القلة لا تأثير لها في السلامة في غير هذا البحر فكذلك في هذا. واجتماع ثلاثة تغييرات في الجزء له نظائر منها فاعلاتن في الرمل، فإنه يجوز فيها مع القصر الخبن، وفعولن الضرب الثاني من العروض الثالثة من الخفيف، فإن أصله مستفع لن فدخله القصر والخبن. وأجاب الصفاقسي بأنا نسلم أن كل سبب وقع بين وتدين يجوز زحافه مطلقاً، وإنما ذلك مع عدم المانع، وما ذكرناه أولاً من التعليل مانع، واعتراضه عليه ساقط، لأنه إنما نقص علة كل واحد من القلة وكثرة التغيير حيث لم يكن منضما إلى الآخر، وذلك إنما يكون نقصاً لو جعلنا منهما علةً مستقلةً ونحن إنما جعلناه جزء علة، والعلة هي المجموع المركب منهما، وهو لم ينقضه وإنما نقص الجزء، ونقصه ليس قادحاً في التعليل على الصحيح عند الأصوليين.

[البسيط]

أقول: قال الخليل سمي بسيطاً لانه انبسط عن مدى الطويل والمديد فجا وسطه فعلن وآخره فعلن. حكاه الأخفش عنه. وقيل: سمي بسيطاً لانبساط الأسباب في أوائل أجزائه السباعية، قاله الزجاج. وقيل: لانبساط الحركات في عروضه وضربه. وهو مبني في الدائرة من ثمانية أجزاء على هذه الصورة: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن كما سلف. قال:

جرتْ جولةٌ يا حارِ شعواء خيّلتْ ... وقوفي فسيروا عنه قد هيّج الجوى

فحقب ارتحالٍ ذا لقيهمْ فذقتم ... أصاح مقامي ذاك والشيب قد علا

<<  <   >  >>