للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول: قال الخليل: سُمي بذلك لأنه اقتضب من الشعر، أي اقتطع منه. وقيل: لأنه اقتضب من النسرح على الخصوص، وذلك لأن المنسرح كما سبق مبنيّ في الدائرة من مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن ومثلها، والمقتضب مبنيّ في الدائرة من مقعولات مستفعلن مستفعلن ومثلها، وليس بينهما إلا تقدم مفعولات في المقتضب وتوسطه في المنسرح، فكأن المقتضب مقتطع منه إذا حذف من أوله مستفعلن. قال ابن بري: ويحتمل أن يكون هذا تفسيراً لقول الخليل. قال:

وما أقبلتْ إلا أتانا بوصلها ... مبشرنا يا حبذا ما به أتى

أقول: الواو من قوله ((وما)) ملعاة ولا يقع بها التباس، لأن اعتبار الترتيب في الأحرف المرموز بها للبحور قاضٍ بإلغاء الواو في هذا المحلّ ضرورة أنّ اللام التي فرغ منها ليس بعدها الواو، وإنما بعدها الميم، فحينئذ تكون الواو لغواً والميم هي المرموز بها فتكون إشارة إلى أن هذا البحر هو البحر الثالث عشر. والألف من ((وما)) إشارة إلى أن له عروضاً واحدةً، والألف من ((أقبلت)) إشارة إلى أن له ضرباً واحداً وكلاهما مجزوء مطوي، وبيته:

أقبلتْ فلاحَ لها ... عارضانِ كالبرَد

فقوله ((لاح لها)) هو العروض، وقوله ((كالبرد)) هو الضرب، وزن كلّ منهما مفتعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((أقبلت)) . وهذا من عجيب صنع الناظم في هذه المقصورة، فإن بعض هذه الكلمة وهو الألف رَمَزَ بها للضرب كما سلف وكلها رمز بها للشاهد. وفي هذ البحر المراقبة بين فاء مفعولات وواوها فلا يحذفان معاً ولا يثبتان معاً. وسببُ ذلك أما في مفعولات الأولى فلأن ساكني سببها ليس لهما ما يعتمدان عليه إلا الوتد المفروق فلم يقوَ لاعتمادها عليه جميعاً، وأما في مفعولات التي في الحشو فكأنهم قصدوا تشبيهاً بالأولى فأجروها في المراقبة مجراها. وقد حكى بعضهم سلامة مفعولات الأولى والأخيرة فلم يراع المراقبة في شيءٍ منهما، وأنشدوا منه:

لا أعوك من بعدٍ ... بل أدعوك من كثبِ

ويدخل هذا البحر من الزحاف الخبن والطيّ في مفعولات، وأما العروضُ والضرب فقد تقدم أن طَّيهما واجب. وبيت الزِّحاف في مفعولاتُ:

أتانا مبشرنا ... بالبيان والنذُّرِ

فقوله ((أتانام)) وزنه فعولات، فهذا مفعولات خبن بحذف فائه فصار معولات فنقل إلى فعولات، وقوله ((بلبيان)) وزنه فاعلات، وأصله مفعولات طوى بحذف واوه فصار مفعُلات فنقل إلى فاعلاتُ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((أتانا مبشرنا)) وقد تقدم أن الأخفش أنكر هذا البحر كالمضارع، وقد تقدم الكلام معه في ذلك.

المجتثُّ

أقول: قال الخليل: سُمي بذلك لأنه اجتث أي قطع من طويل دائرته. وقال الزجاج: هو من القطع، وهو ضدّ المقتضب لأن المقتضب اقتضب له الجزء الثالث بأسره والمجتثُّ اجتث منه أصل الجزء الثالث فنقص منه. وقال ابن واصل إنما سُمي مجتثاً أخذاً من الاجتثاث الذي هو الاقتطاع، فلما كان منّقطعاً في دائرة المشتبه من بحر الخفيف كان مجتثاً منه، والمخالفة بينه وبين الخفيف من حيث التقديم والتأخير. وهذا البحر، أعني المجتث، مبني في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن، مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن قال:

نقاً أمْ هلالٌ من علقتَ ضمارهمْ ... أولئكَ كلٌّ منهم السيِّدُ الرضا

أقول: النون من قوله ((نقا)) إشارة إلى أن هذا البحر هو الرابع عشر، والقاف ملغاة والألف منها إشارة إلى أن له عروضاً واحدة، والألف من قوله ((أم)) إشارة إلى أن له ضرباً واحداً، وبيته:

البطنُ منها خميصٌ ... والوجهُ مثلُ الهلالِ

وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((هلال)) . ويجري في هذا البحر ما جرى في الخفيف من خبن وكفّ وشكل، وتجري فيه المعاقبة والصدرُ والعجزُ والطّرفان. والمعاقبة هنا بين نون مستفع لن وألف فاعلاتن. وحذفُ ألف فاعلاتن لاعتمادها على وتدٍ مجموع بعديّ وتقع بين نون فاعلاتن وسين مستفع لن. ويمكن أن يكون حذفُ النون أولى لأن الوتد الذي اعتمدتْ عليه السين وغن كان بعدياً فإنه مفروق. وقد استبان لك بما ذكرناه تصورُ الطرفين إما في العروض أو في الجزء الذي بعدها. فبيت الخبن:

ولو علقتَ بسلمى ... علمتَ أن ستموتُ

أجزاؤه كلها مخبونة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((علقت)) . وبيت الكف:

<<  <   >  >>