للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحل إلى مصر.

فمن شعره قوله يمدح الناصر للدين أبا محمد اليازوري:

توالت فتوحات وأدرك ثار ... وقر لأمر المسلمين قرار

وجرد سيف الله ناصر دينه ... فصال به حد له وغرار

ودانت له الحرب العوان وإنها ... وإن رئمت أنساً به لنوار

يرد إليه أمرها وهي شامس ... لها مسحل من قهره وعرار

كأن مطاف الحادثان بشاهقٍ ... منيف الذرى للفتح فيه مطار

تزل خطوب الدهر عن صفحاته ... كما زل عن صفح الحسام غبار

فيا ناصر الدين الذي فخرت به ... بناة المعالي يعرب ونزار

لقد علم الأعداء أنك منتضٍ ... حساماً لهم هلك به ودمار

وأنك حزب الله تسعى بهديه ... وتغضب في مرضاته وتغار

بكفك سيف الله تضربهم به ... وهل يحتمي من ذي الفقار فقار

تسلهم خيل الإله عوابسا ... كما طرد الليل البهيم نهار

كتائب في ذات الإله مشيحة ... لها بغياث المسلمين شعار

فولوا فراراً والرماح تنوشهم ... لهم حيدٌ عن وقعها ونفار

وجاؤوك في دوحٍ، قناك غصونه ... فليس لها إلا الرؤوس ثمار

أضفتهم حتى إذا ما تمردوا ... أضفت بهم تبا لهم وخسار

وأروع بسامٍ عليه سكينة ... من الله بادٍ نورها ووقار

عمرت به جيد المعالي قلائدا ... يطول بها الإمتاع وهي قصار

فيا علم المجد الذي طرزت به ... حلاه وأضحى في ذاره منار

تنام الرعايا ملء أجفانها كرى ... فنومك تسهاد له وغرار

فلا عطلت منك الوزارة إنها ... هي المعصم الحالي وأنت سوار

وعش يا "غياث المسلمين" فإنما ... حياتك عز للورى وفخار

ودم ملكا ما ساوت العين أختها ... وما صحبت يمنى اليدين يسار

وقال فيه أيضاً:

يمينك أندى العارضين سحابا ... وعزمك أمضى الضاربين ذبابا

وأنت أعم الناس طولا وسؤددا ... وأطيبهم جرثومة ونصابا

وأشرعهم يوم اللقاء أسنة ... وأمرعهم يوم العطاء جنابا

شهادة برٍ لا يحابى بمثلها ... ألا ربما كان السحاب محابى

حللت بدار الملك ثم قطنتها ... كما قطن الليث الغضنفر غابا

وأنشبتها بالسمهرية والظبى ... طعانا نفى عنها العدى وضرابا

وفجرت فيها للنضار جداولا ... وسطرت فيها للسماح كتابا

يقولون إن المزن يحكيك صوبه ... مجاملة: ها قد شهدت، وغابا

وكم أزمةٍ عم البرية بؤسها ... فهل ناب فيها عن نداك منابا؟

همت ذهبا فيها يداك عليهم ... وضنت يداه أن ترش ذهابا

ولو كان للأسياف عزمك ما نبت ... ولا ناط بالخصر النجاد قرابا

تغار من المجد المعالي، وتنتمي ... إلى اسمك حبات القلوب طرابا

وما زلت ترضي الله في نصر دينه ... بمألكةٍ تزجي الأسود غضابا

إذا طويت كانت وغى وقساطلا ... وإن نشرت كانت ظبا وحرابا

وما أنت إلا مطعم النصر أينما ... أغرت على نهبٍ لزمت نهابا

وكم نعم خولته لم تشله ... بخيلٍ ولم توجف عليه ركابا

وأبلح ميمون النقيبة لو دعا ... إلى نصره وحش الفلا لأجابا

أجل ملوك الأرض من ظل لاثما ... ترابا علته رجله وركابا

سقى حلبا من جود كفك ماطر ... إذا لم تصب فيه المواطر صابا

علوتهم بالمرهفات كأنما ... مددت عليهم بالبروق سحابا

وأطلعت سحبا من بنانك ثرة ... تفيض عليهم نائلا وعقابا

وقال أيضاً:

عرفت لها طيفا على النأي طارقا ... يساعد مشتاقا ويسعد شائقا

ألمت وفي جفني بقايا مدامع ... مرتها نواها فاستهلت سوابقا

وأومض في رجع الحديث ابتسامها ... وميض الحيا أهدى لنجدٍ شقائقا

فولت بقلبٍ أسلمته يد الهوى ... إلى الشوق مغلوب التجلد وامقا

سقاها الحيا حيث استهلت مواطرا ... كجود "غياث المسلمين" دوافقا

رعى الله "تاج الأصفياء" وإنما ... دعوت بأن يرعى الدنى والخلائقا

فيا "ناصر الدين" الذي بنواله ... إذا الشعر بين الجود والبخل فارقا

ملكت فؤادا بالمعالي متيماً ... وأعطيت قلباً بالمكارم عاشقا

<<  <   >  >>