للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد أتانا الممقور لازلت كالمم ... قور في خله وفي الخل دود

عملته العجوز حتى إذا ما ... جاد جادت به على من تريد

زوجه طالق وبنت شرود ... وأمور منها يشيب الوليد

قال: فلقيته وكنت له كالخادم، فقلت: من أنا ويحك حتى تهجوني؟ وأي شيء ذنبي إليك؟ فقال: سألتك ممقورا فوجهت إلي برفائد الفصد.

وحدثنا علي بن اسحق الكاتب قال: أهدى ابن اليتيم الكاتب إلى البسامي دن شراب فلم يرضه وكتب إليه:

أقبل الدن من بعيد فأيقن ... ابخفض ولذة وسرور

ففتحناه مسرعين فألقي ... ناه خلا يعد للممقور

قال: وأهدى إليه بعض إخوانه أقداحا وصفها له قبل إهدائها، وذكر أنها مخروطة في نهاية الحسن؛ فلما رآها لم تقع منه موقعا، فردها وكتب معها:

قد دعتني إلى التنسك أقدا ... حك بعد المجون والإفراط

هي مخروطة زعمت ولكن ... سقطت طاؤها من الخراط

قال: وأهدى إليه صديق له قمريا غير فصيح، فكتب إليه:

تعرضت مني للهجاء ولم يكن ... سوى الشكر والإحماد في كل مجلس

وما الناس إلا من تكامل فيهم ... سماحة أخلاق وعفة أنفس

فشأنك بالقمرى يا أهل مثله ... على صوته فأطرب وإياه فاحبس

ولكن من حق العجوز وبرها ... بعثت إلى غضب اللسان بأخرس

قال: وزار عبد الله -الذي كان أبو تمام يهواه - أبا تمام يوما ولم يكن عنده نبيذ، فأنفذ غلاما له إلى بعض إخوانه، يستهديه نبيذا بهذه الأبيات:

جعلت فداك "عبد الله" عندي ... بعقب الهجر منه والبعاد

له لُمةٌ من الكتاب بيض ... قضوا حق الزيارة والوداد

واحسب يومهم أن لم تجدهم ... مصادف دعوة منهم جماد

فكم بر من الصهباء سار ... وآخر منك بالمعروف غاد

فهذا يستهل على ضميمي ... وهذا يستهل على تلادي

دعوتهم عليك وكنت ممن ... يناديه إلى النوب الشداد

فحبس غلامه وقتا طويلا ثم أنفذ نبيذا ردئيا فكتب إليه أبو تمام:

قد عرفنا دلائل المنع أو ما ... يشبه اللوم باحتباس الرسول

وافتضحنا عند الحبيب بما ص ... ح لديه من قبح وجه الشمول

فاجأتنا كدراء لم تسب من تس ... نيم جريالها ولا السلسبيل

من عقار لا ريحها نكهة المس ... ك ولا خدها بخد أسيل

لا تهدى سبل العروق ولا تن ... ساب في مفصل بغير دليل

وكأن الأنامل اعتصرتها ... بعد كد من ماء وجه البخيل

وهي نزر لو أنها من دموع الص ... ب لم تشف منه حر الغليل

احتسابا بذلتها أم تصدق ... ت بها رحمة على ابن سبيل

كم مغطى قد اختبرنا جداه ... وعرفنا كثيره بالقليل

وحدثنا أبو نجدة الأنماطي الموصلي قال: اعتل البحتري بالموصل فأشار عليه الطبيب بتجنب اللحم وأن يتغذى بمزورة وصفها له، فقال بعض رؤساء الموصل: لي طباخ يجيد صنعة هذه المزورة، وأنا أتقدم إليه باتخاذها في كل يوم، وتوجيهها إليك، فقال له: افعل. فلما جاءته لم يستطبها فكتب إلى الرجل:

وجدت وعدك زورا في مزورة ... حلفت مجتهدا إحكام طاهيها

فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ... ولا علت كف ملق كفه فيها

فاحبس رسولك عنها أن يجيء بها ... فقد حبست رسولي عن تقاضيها

وأهدى معمر السدوسي إلى أبي الخطاب البهدلي جملاً مهزولاً فكتب إليه أبو الخطاب:

أهدى إلينا معمر خروفا ... كان زمانا عنده مكتوفا

يعلفه الكستج والسفوفا ... والغارقون بعده مدوفا

حتى إذا ما صار مستجيفا ... أهدى فأهدى قصبا ملفوفا

عظما وجلدا فوقه وصوفا ... وكان من أفعاله موصوفا

واستهدى ابن طباطبا من صديق له نبيذا في قرابة، فوجه إليه نبيذا ممزوجا فكتب إليه:

كنت استمحتك في قرابة ماء ... "أبا الحسين" أم استهديت صهباء

خطبت جارية سمراء قد جليت ... على زفت إلي اليوم بيضاء

فرطت في ختم بر قد سمحت به ... قدبر اللص فيه أمس ما شاء

وأهدى رجل إلى دعبل بن علي أضحية مهزولة فلم يرضها وكتب إليه:

بعثت إلي بأضحية ... وكنت حريا بان تفعلا

ولكنها خرجت غثة ... كأنك أعلفتها حرملا

<<  <   >  >>