للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندي لك الشكر والثناء وإن ... أغريت نفسي بطول شكواها

واستهدى دعبل بن علي دراعة من بعض الرؤساء، فلم يهدها إليه، وقال: "هذه الدراعة كانت لأبي، وما أسعف بها أحد، فقال دعبل:

ما يتقضى عجبي ... ما عشت من مطلب

سألته دراعة ... لباسها يجمل بي

فقال لي: أكره أن ... تلبس من بعد أبي

وقد رأى البرد ومن ... يلبسه بعد "النبي"

حدثنا جحظة قال: كتب البسامي إلى ابن عمه محمد بن جعفر البسامي يستهديه برذونا كان عنده، فكتب يعتذر ولم يهده إليه، ثم بلغه أنه قال: "أنا أصون هذا البرذون عن ولدي، فكيف أهبه لغيري؟ " فقال البسامي:

بخلت عني بحارن حطم ... لست تراني ما عشت أطلبه

فلا تقل صنته، فما خلق الل ... هـ مصونا وأنت تركبه

ثم استهداه بعد ذلك حمارا فلم يسعفه، فكتب إليه:

بعثت لأستهديك عيرا فلم تجد ... ولم أدر أن العير صار لنا صهرا

فوجه به كي نشترك في ركوبه ... فتركبه بطنا وأركبه ظهرا

واستهدى البحتري من إسماعيل بن شهاب كاتب ابن أبي داؤاد برذونا كان عنده، فوعده إياه ومطله مدة، وكان للبحتري برذون أدهم فنفق في تلك الأيام، فكتب إليه:

وعدت برذونا ورددتني ... إليك حتى مات برذوني

وكان مصقول النواحي إذا ... رأيته مستغرب اللون

لؤلؤة تضحك أرجاؤها ... تحسن في البذلة والصون

منيتني الأشهب من بعد ما ... فجعتني بالأدهم الجون

إن يكذب الميعاد تظلم وإن ... يصدق فبرذون ببرذون

الباب الثامن

في ذكر من لم يقبل الهدية ترفعا وردها تنزها

حدثنا علي بن العباس الكاتب قال: كان أبو العباس السفاح يعرف عمارة بن حمزة مولاه بالكبر وعلو الهمة والقدر، وشدة التنزه؛ فجرى بينه وبين أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة المخزومية زوجته يوما كلام، فاخرته فيه بأهلها، فقال لها أبو العباس: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالى ليس في أهلك مثله.

ثم أمر بإحضار عمارة بن حمزة على الحال التي يكون عليها فأتاه الرسول في الحضور؛ فاجتهد في تغيير زيه، فلم يدعه. وجاء به إلى أبي العباس وأم سلمة خلف الستر، وإذا عمارة في ثياب ممسكة، قد لط لحيته بالغالية حتى قامت واستتر شعره فقال: ما كنت أحب أن يراني أمير المؤمنين على هذه الحال. فرمى إليه بمدهن كان بين يديه فيه غالية، فقال: يا أمير المؤمنين، أترى لها في لحيتي موضعا؟. فوجهت إيه أم سلمة عقدا قيمته جليلة، فدفعه إليه الخادم فتركه بين يديه؛ وشكر أبا العابس، ونهض؛ فقالت أم سلمة لأبي العباس: إنما أنسيه. فقال للخادم: ألحقه به، وقل له هذا هدية أم سلمة إليك لم خلفته؟ فاتبعه الخادم وقال: هذا لك فلم تركته؟ فقال: ما هو لي فاردده. فلما عرفه أن أم سلمة أهدته إليه قال: إن كنت صادقا فقد وهبته لك.

فانصرف الخام بالعقد، وعرف أبا العباس ما جرى، فقالت أم سلمة: اردد علي عقدي؛ فامتنع الخادم من رده عليها، وقال: قد وهبه لي الذي وهبته له؛ فلم تزل به إلى أن ابتاعته منه بعشرة آلاف دينار.

قال محمد بن عبدوس: حدثني جعفر بن أحمد عن أشعث رجل كان يخلف العمال بالحضرة قال: كنت أكتب وأخلف أحمد بن محمد ابن مدبر، وهو يتولى مصر وأجناد الشام، فأنفذ إلي في عيد من الأعياد سفاتج بمائتي ألف دينار، وأنفذ معها ثلاثين سفطا من دق مصر وطائفها.

وكتب إلي أن أصير بجميع ذلك إلى عبيد الله بن يحيى هدية له، فوصل إلي كتابه في عشية يوم التروية. فقصدت بابه ولقيت "سعدا" حاجبه، وسألته إيصالي إليه، فاعتل علي بضيق الوقت، فعرفته أن معي شيئا مهما: فاستأذن لي، ودخلت فوجدته خالي الوجه، فقال لي حين رآني: خير؛ قالت: خير - أعز الله الوزير - ودفعت إليه الكتاب، وأخرجت الإضبارة بالسفاتج وعملا بأسماء أهلها، ومبلغ المال، وعملا بالأسفاط.

قال: فوقف على الجميع، ثم قال لي: والله، إن علي من الدين ما أحتاج معه إلى عشرة أمثال ما ذكرت، ولكني لا أحب الحمل على أبي الحسن بتغنم هذا المال منه.

<<  <   >  >>