للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَكُونُ مُحْرِزًا لِهَذَا الْمَالِ أَبَدًا، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنَّمَا يَكُونُ مُحْرِزًا بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِزًا عَقَارَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَكُونُ مُتَأَكِّدَةً عَلَيْهَا، وَلَا يَكُونُ مُحْرِزًا لِمَا أَوْدَعَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِزًا لِمَا فِي يَدِهِ، أَوْ لِمَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهَدًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ مُعْتَبَرَةٌ مُحْتَرَمَةٌ صَالِحَةٌ لِلْإِحْرَازِ بِهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً فَهِيَ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ مَقَامَ يَدِهِ، فَيُلْتَحَقُ هَذَا الْمَالُ بِمَا لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ أَصْلًا فَيَكُونُ فَيْئًا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ لَوْ خَرَجَ إلَى دَارِنَا وَخَلَّفَ مَالَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ، كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ الْمَالِ فَيْئًا إلَّا مَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهَدًا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَهَا.

لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ يُبْتَنَى عَلَى إحْرَازِ الْمَالِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كُلُّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا، إلَّا شَيْئًا غَصَبَهُ مِنْهُ حَرْبِيٌّ وَجَحَدَهُ وَمَنَعَهُ مِنْهُ سُلْطَانُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَإِنَّ إحْرَازَ الْحَرْبِيِّ لِذَلِكَ الْمَالِ عَلَيْهِ يَتِمُّ بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ، فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا لَهُ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَالُ الْمُسْلِمِ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ غَاصِبِهِ الْمُسْلِمِ، أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ وَهُوَ حَرْبِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>