للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَكُفَّ عَنْهُمْ فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُقَاتَلَتَهُمْ وَأَسْرَهُمْ، فَلَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَسْرَهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُمْ بِالْأَسْرِ، فَبَقُوا أَحْرَارًا لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ.

٤٣٦٠ - بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبُوا الذِّمَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَقَسَمَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ أَحْرَارًا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ. لِأَنَّ هُنَاكَ سَأَلُوا الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْكُفْرُ سَبَبٌ لِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ فِي الْأَصْلِ، فَالْإِمَامُ إنَّمَا سَبَاهُمْ وَمَنَعَهُمْ الذِّمَّةَ فِي مَوْضِعٍ يَسَعُ فِيهِ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ، فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَجَازَ سَبْيُهُ، فَلَا يُرَدُّ، فَأَمَّا هَا هُنَا سَأَلُوا مِنْ الْإِمَامِ الْكَفَّ عَنْهُمْ لِيُسْلِمُوا وَالْإِسْلَامُ عَاصِمٌ فَحُرْمَةُ السَّبْيِ هَا هُنَا أَقْوَى وَآكَدُ فَلَا يَسَعُ فِيهِ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ. فَإِذَا أَسْلَمُوا فَقَدْ ظَهَرَ خَطَأُ الْإِمَامِ بِيَقِينٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ عَنْ خَطَئِهِ وَيَرُدَّهُمْ أَحْرَارًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْإِسْلَامِ مُعْتَبَرٌ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُسْلِمُ حَقِيقَةً إنْ حَارَبَ الْمُسْلِمَ لَا يُسْبَى، فَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ الْإِسْلَامَ.

وَأَمَّا الْقَصْدُ إلَى الذِّمَّةِ مُعْتَبَرٌ بِحَقِيقَةِ الذِّمَّةِ، وَالذِّمِّيُّ حَقِيقَةً إذْ حَارَبَهُ الْمُسْلِمُ فِي فِئَةٍ مُمْتَنِعَةٍ يُسْبَى وَيُسْتَرَقُّ، فَكَذَلِكَ إذَا اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ بِالْحَقِيقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <   >  >>