للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ التَّنْفِيلَ مَا يَكُونُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ صِلَةً لَا تَنْفِيلًا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْغَانِمِينَ بِالصِّلَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهَا.

- فَإِنْ نَفَلَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ عَلَى قَدْرِ الْعَنَاءِ وَالْجَزَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ فَهُوَ نَافِذٌ.

لِأَنَّهُ أَمْضَى بِاجْتِهَادِهِ فَصْلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ.

- وَيَحِلُّ لِلْمُنَفِّلِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّنْفِيلَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ.

لِأَنَّ الرَّأْيَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إذَا جَاءَ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ. فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مُلْزِمٌ غَيْرَهُ، وَمُجَرَّدُ الِاجْتِهَادِ غَيْرُ مُلْزِمٍ غَيْرَهُ. وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ رَأْيِهِ أَنَّ ذَلِكَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ. فَقَضَى الْقَاضِي بِأَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَيَسَعُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا. وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْمُجْتَهِدُ لَا يَدْعُ رَأْيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِي آخَرِ الِاسْتِحْسَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>