للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا صَنَعَ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ مُخَالِفًا لِذَلِكَ.

لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، وَقَدْ أَمْضَاهُ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَا يُبْطِلُهُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ.

وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا لَوْ جَعَلَ الْأَمِيرُ لِلْمُقَاتِلِينَ مِنْ أَسْلَابِ الْقَتْلَى مِنْ غَيْرِ تَنْفِيلٍ، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَرَى خِلَافَ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَهُ.

لِأَنَّهُ أَمْضَى بِاجْتِهَادِهِ فَصْلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْفَرْجِ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ، فَإِنَّ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: يَقَعُ بِهِ رَجْعِيَّةٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. فَإِنْ قَضَى قَاضٍ بِأَحَدِ الْقَضَاءَيْنِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى مَنْ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ قَضَاؤُهُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَإِبْطَالُ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ يَكُونُ قَضَاءً، بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي تَحْرِيمِ الْفَرْجِ مَعَ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ ثَبَتَ فِي النَّفْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>