للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما ولي مراد باي في شهر رمضان سنة ١١١٠عشر ومائة وألف عزله من الفتيا وخطبة الجامع اليوسفي لسابقية حكمه عليه بالسجن في خبر نقله شيخ الإسلام البيرمي في شرح نظم المفتين وأولى مكانه فيها الشيخ علي الصوفي وبعد مدة اعتذر الشيخ علي الصوفي بالعجز وطلب معونة الشيخ عبد الكبير درغوث فأعيد إلى خطته وتقدم على الشيخ علي الصوفي لسابقيته فصار الشيخ علي الصوفي مفتياً ثانياً وذلك أول عهد تعدد المفتين من الحنفية. ولم يزل الشيخ عبد الكبير، محبباً إلى الصغير والكبير، بما عنده من محاسن الأخلاق وحسن المعاملة ولطف المحاضرة زيادة على علمه إلى أن توفي في المحرم سنة (١١٣٣) ثلاث وثلاثين ومائة وألف، عليه رحمة الله ورثاه الشيخ محمد الوزير السراج بقوله: [مجزوء الرمل]

ذا ضريح ضم كنزاً ... لعلوم الثقلينِ

كان في الدينا كبيراً ... كاسمه في الخافقينِ

لقّبوه درّ غوثٍ ... صدقوا من غير مينَ

مدّ من نهر الفتاوي ... للورى نضّاختينِ

حلّ في جنة عدن ... ونعيم خالدينِ

فاسأل المولى لديه ... بخضوع الرّاحتين

عللاً من نهر عفوٍ ... في جني من جنتين

إنَّ من قد أرَّخوه ... (كان يدري المذهبينِ)

[٨]

الشيخ علي الصوفي هو الشيخ أبو الحسن علي الصوفي ولد سنة ١٠٥٨ ثمان وخمسين وألف، وتصدى للأسخذ فقرأ على فحول وهم الشيخ أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشا والشيخ مصطفى بن عبد الكريم والشيخ محمد فتاتة والشيخ يوسف درغوث الأكبر والشيخ محمد قويسم والشيخ إبراهيم الأندلسي والشيخ عاشور القسنطيني والشيخ محمد الغماد وقرأ مختصر الشيخ خليل على الشيخ سعيد الشريف وتضلع بالمعقول والمنقول وتقدم على رجال عصره في العلم والعمل والزهد حتى لقب بالصوفي وكانت دروسه مملوءة رجالاً، يواظب عليها ويقرأ عشية الجمعة تنبيه الأنام بزاوية الشيخ سيدي عياد الزيات وتقدم لمشيخة المدرسة الشماعية وخطبة الجامع الباشي وهو أول مدرس حنفي وإمام بجامع محمد باي الذي تم بناؤه عام ١١٠٤ أربعة ومائة وألف، ثم قدمه مراد باي الثاني إلى خطه الفتيا وخطبة الجامع اليوسفي سنة ١١١٠ عشر عند عزل الشيخ يوسف درغوث ثم صار مفتياً ثانياً بإرجاعه. ولما توفي الشيخ يوسف تقدم لمشيخة الإسلام سنة ١١٣٣ ثلاث وثلاثين ومائة وألف وبلغ من العمر إلى خمسين وثمانين سنة وتوفي سنة ١١٤٣ ثلاث وأربعين ومائة وألف، عليه رحمة الله، ودفن بالزلاج بمقربة من قبر الإمام ابن عبد السلام وأرخ وفاته أحد الشعراء بقوله: [الكامل]

رمسٌ تخطُّ به يد التصريف ... توقيعَ تحذير بغير حروفِ

وضجيعه تبدي مآثره لنا ... دررَ العلا من بحره المكفوف

نفدت فتاويه وما نفدت فتوَّ ... ته التي بعلا المعارف توفي

إذ حاز في تاريخه كل الكما ... (ل عليٌّ المفتي الإمام الصوفي)

[٩]

الشيخ يوسف درغوث هو الشيخ أبو المحاسن يوسف بن عبد الكبير بن يوسف بن درغوث شاوش ثالث آبائه الكرام في مشيخة الإسلام، ولد سنة تسع وثمانين وألف ونشأ في بذاخة عز آبائه الكرام. وأخذ الفقه عن والده الشيخ عبد الكريم والشيخ علي الصوفي وخطيب جامع القصر وشيخ المدرسة اليوسفية الشيخ محمود مهتار وقرأ مختصر القدوري على الشيخ محمد بن حسين بن بيرام وقرأ أيضاً على الشيخ قاسم الجبالي والشيخ محمود الغماري. ولم يتصد للإقراء غير أنه كان عارفاً بالنوازل ولما توفي والده رفعه الأمير حسين باشا باي من جنازة والده إلى باردو وقدمه إلى خطة الفتيا وخطبة الجامع اليوسفي في أواسط المحرم سنة ١١٣٣ ثلاث وثلاثين ومائة وألف فصار مفتياً ثانياً وباشر الإفتاء بطريقة غراء. ولما توفي الشيخ الصوفي تقدم لمشيخة الإسلام فزانها بفضله وعمله وكرم نفسه وهمته ووقاره إلى أن أدركته المنية فتوفي سنة ١١٥٦ ست وخمسين ومائة وألف، ورثاه الشيخ أحمد سمية بقوله: [الكامل]

لله رمسٌ صم يوسفَ عصره ... فغدا به كالبدر في غسق الظلامْ

حاز المحاسن في الحياة وبعدها ... ورقي المنابر في جلال واحتشام

ما جاءه لمحله ذو حاجة ... إلا وشوهد في محياه ابتسام

أجلى صدر الفتيا بحدة ذهنه ... فتبهرجت بجماله بين الأنام

<<  <   >  >>