للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما ردّ المقلّد ذلك إلا ... كشيعيٍّ يرد على الحسين

لوما تكاثرت عليه الخطط أناب في بعضها من شاء وباشر منها ما شاء وصفا له العيش فيما بقي من عمره وباشر بنفسه إمامة باردو فرتل القرآن بصوته وحسن تلاوته وزان المنبر ببهجته وحسن فصاحته، مع تهذيب العلم وحسن المحاضرة ولطف الفهم وجمال السمت وحسن الإقبال عند الأمير وفاء بما أصابه من الدولة الباشية ترمقه العيون بتعظيم العلم ومزيد الإجلال، ويتوجه إليه العموم في معظم الإقبال. وقد نفع بعلمه وجاهه وقد حج بيت الله الحرام ورجع سالماً، ولم يزل على كماله إلى أن أدركه الأجل فتوفي في ذي القعدة الحرام سنة ١١٨٦ ست وثمانين ومائة وألف عليه رحمة الله وقد رثاه الشيخ أبو الفلاح صالح الكواش بقوله: [الرمل]

ذا ضريحٌ أم رياضٌ لم يزلْ ... من سحاب العفو في وبل وطلّ

خلته يحوي الدراري فلكاً ... حلّه شمس الهدى لكن أفل

ذو علومٍ وذكاءٍ وتقىً ... وابتهال وسخاء وخجل

نسب البارود فيه حيثما ... شق في الفتيا مواضيع الحيل

رب لا تقطع شآبيب الرضا ... عن حسين يا كريمٌ لم يزل

قد مضى يرجو رضا الرحمن أر ... خت: يا مؤمن بلغه الأمل

[١٥ الشيخ محمد بيرم الأول]

هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرام قدم جده بيرام من القسطنطينية إلى تونس في أثناء الجند العثماني الذي قدم صحبة سنان باشا لفتح قلعة حلق الوادي وافتكاكها من يد الإسبانيوليين سنة ٩٨١ إحدى وثمانين وتسعمائة، ولما أيدهم الله بالنصر أقام الجد المذكور بتونس وتزوج بها في ثروة واعتبار، ثم إن أبناءه تعاطوا العلم واحداً بعد واحد كل على حسب ما يسر الله له عدا جد صاحب الترجمة فإنه لم يتعاط شيئاً من العلم. أما والده فقد كانت له مشاركة غير أنه دخل في الخدمة العسكرية وكان متقلداً وظيفة أوضه باشي وتولى استخلاص الأعشار على عهد الباشا فصادره في ماله وسجنه إلى أن مات، وكانت زوجته جنات بنت الحاج حسن كحل العيون أمها من آل الشريف الذين مر نشر بعض مناقبهم في آل القسم الأول وهي الشريفة صاحبة الكرامات حسينة بنت أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد بن علي بن الحسن بن أحمد الشريف الهندي المتقدم الذكر ومنهما كان ولده صاحب الترجمة فهو يتصل بآل الشريف من قبل أم أمه.

وقد ولد في شوال سنة ١١٣٠ ثلاثين ومائة وألف، ونشأ في طلب العلم فقرأ على الشيخ أحمد اللعلاع المقدمة والمغني والماكودي والأشموني على الألفية وشرح الخزرجية والقلصادي في الحساب والشنشوري على الرحبية، وقرأ على الشيخ علي سويسي المغني والتسهيل، وقرأ على الشيخ أحمد المكودي الأشموني على الألفية والتصريح والمحلي ومختصر السعد وعصام على السمرقندية والكبرى وألفية العراقي، وقرأ على الشيخ أحمد الشريف الثاني الفاكهي والعصام على السمرقندية، وقرأ على الشيخ حسين البارودي السابق الذكر الشرنبلالي في العبادات ومختصر القدوري والعيني على الكنز وابن فرشته على المجمع وصدر الشريعة، وروى صحيح البخاري على غالب شيوخه المذكورين، وقد قرأ على غير هؤلاء.

وطلع شمساً في أفق العلوم، فوضح طريق المنطوق والمفهوم، غير أنه أصابته محن الدولة الباشية وذلك أن الباشا لم يسمح له بإخراج ولده من السجن وفاته إلا أن يسجن عوضه ولده صاحب الترجمة، فأقام في السجن صابراً يطالع الكتب ويحرر المسائل ثم خرج من السجن وأولاه الباشا تدريس مدرسته الحنفية عند عزل الشيخ محمد المحجوب سنة ٦٧ سبع وستين فختم بها صحيح البخاري وهنأه بذلك الشيخ أبو محمد حمودة بن عبد العزيز بقوله: [الكامل]

زمن الوصال وعهدَ أيام الصّبا ... يسقيك عهدُ الغيث ساقته الصبّا

من لي بها أيّام عهد قد مضت ... ما شمت فيها برق وصل خلّبا؟

أيّامَ ما ظلّ المنامُ محرماً ... عنّي ولا أمسى الحبيب محجَّبا

في حيثُ زهرُ الروض بلّله الندى ... والشمس تلثم منه ثغراً أشنبا

والطّلُّ مسكٌ بث في ديباج نب ... ت ظل منشوراً على تلك الربى

يشتمّ بالأجفان فأعجب مثل ما ... قد شمّ بالآذان مسكاً طيبا

بفناء مدرسة المعظم قدره الباشا ... أمير المؤمنين الأغلبا

<<  <   >  >>