للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد عمّر الشيخ في خدمة العلم الشريف إلى أن بلغ الاثنتين والثمانين سنة، وختم له بالسعادة فأحب الله لقاءه، فتوفي أواخر ليلة السبت السادس عشر من جمادى الأولى سنة سبع وأربعين ومائتين وألف، وتبرّك الأمير والمأمور بحمل جنازته، عليه رحمة الله. وقد رثاه الأديب الفاضل الشيخ عبد الرحمن الكامل بقصيدة قال في مطلعها: [الكامل]

فيم امتناعكُ للتراب بدارا؟ ... ولقد عدمت من السرور قرارا

وأرخ وفاته الفاضل أبو الثناء محمود بن باكير بقوله: [طويل]

ألا قف برمسٍ داعياً بتوسّل ... وكن تالياً أمّ الكتاب المنزّلِ

تيقّنْ ولا تغفلْ عن الموت لحظةً ... فماذا بأولى منك فيه وأمثلِ

وما أنت في دنياك إلا مسافرٌ ... فكل أوانٍ مشعرٌ بالترحّلِ

سقامٌ وعسرُ بعد يسر وصحة ... دليلُ الفنا يغني الفتى عن تأمّلِ

تزوّد لما بعد الممات من التّقى ... كما جاء في نص العزيز المرتّل

وخص برزء الموت أن عزّ أهله ... وعمّ البرايا رزءُ هذا المفضّل

إمام سما فوق الثريا مقامه ... وأضحى ضجيعاً بين ترب وجندل

وقادت له فخراً ومجداً عناصرُ ... لهم نسبٌ ينهى إلى خير مرسل

هدايةُ أهلِ العلمِ وهو كمالُهم ... بتحريرِ تقريرٍ وبين مشكل

وبحرٌ محيطُ لكن الدّرّ لفظهُ ... ضيا إن بدا في غيهب الجهل ينجلي

تآليفه جمّتْ وعمّت بنفعها ... كما عمّنا نفعُ السراج بأليلِ

عيون أحول الشّرع منه تفجّرتْ ... ففاقت بعذب سائغ كلّّ منهل

لقد كان في المفتين صدر شريعةٍ ... كوالده السامي على كل معتلي

هما مجمع البحرين في العلم والتقى ... فسادا وحازا كلّ فضلٍ بأكمل

فأمطرهما ربيّ شئابيب رحمة ... وأنزلهما الجنات يا خير منزل

بخير الورى حقق دعاء مؤرخ: ... (لبيرم في الجنات أرفع منزل)

ورثاه أيضاً العالم الفاضل الشيخ محمد الخضار بقوله: [الوافر]

يروعُ الدهرُ بالهممِ الأبيّه ... ويكدي بعد أن يهب العطيهْ

وينزل من أعنتها الدّراري ... إلى تُرب مبلقعةٍ خليّه

وأيّةُ نسمةٍ تبقى بحال ... إذا انتشبت بأظفار المنيه

وهل يبقى على الحدثان باقٍ ... سوى الذات المقدّسة العليّة

هوى الدهر الخؤونُ برأس طود ... من الأطواد ليس له ثنيّه

وزلزلَ من قواعده أصولاً ... لها في الدين مرتبةٌ سنيّة

نعى الناعي لنا العلمَ المكنّى ... (بيرم) فانطوى الإسلام طيّه

نعانا نجمه الأسمى ولكن ... نعى نفس العلومِ الألمعيّة

إمامٌ كان في العرفان بحراً ... وما للبحرِ أن يحوي حليّه

فكم نظم الجواهر في طروس ... تترجم عن مداركه الخفيّة

وكم أجلى العماية عن سؤال ... يطول البحث فيه بلا رويّه

ولا طاشت لفكرته سهامٌ ... ولا كذبت لحجته قضيّه

فضاقت بعده الدنيا وكانت ... رزيّتنا به فوقَ الرزيّه

ألا يا زائراً جوزيت خيراً ... فلا تنسْ الدعاء ولا التحية

جزاه الله في الفردوس داراً ... من الدار المكدرة الدنيّه

وهنأه السرورَ بما حباهُ ... من النعماء محتسباً هنيّه

ولما فارق الدنيا وكانت سجايا المتقين له سجية

١٩ الشيخ مصطفى البارودي

<<  <   >  >>