للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعيٌ لقد أظلم الآفاق مأتمه ... فأضرم القلب والأحشاء نيرانا

خطبٌ له أعين السلام ساهرة ... والدمع يهمي من الأجفان هتَّانا

خطبٌ فظيعٌ لقد الأنام به ... أصمى قلوباً وقد أصم آذانا

فالعقل منصرم والصدر مضطرم ... والحزن منسجم والدمع قد خانا

إله صبري من دهماء قد برّحت ... لم تبقِ للعقل تذكاراً ونسيانا

كيف السلو وطود العلم أودى به ... ريب المنون وحبل الصبر قد وانى؟

يا ناعيَ البين لا جوزيت صالحة ... فهل كتاج الدين إنسانا؟

محمد المرتضى المحجوب قد حجبت ... عنه النقائص إسراراً وإعلانا

شمس الهدى شيخ الإسلام الذي صعدت ... به المكارم حتى جاز كيوانا

من معشرٍ بهمُ الفتيا لقد سحبت ... في موقف الفخر والإعجاب أرادنا

حازوا سياستها شادوا رئاستها ... مشايخاً وكهولاً ثم شبانا

وكان في شرعة الإسلام تبصرة ... للمهتدين وإرشاداً وبرهانا

منه استفاد مفيد كل منتخب ... من المفاخر ما لم يحض أثمانا

سبحان من خصه فضلاً بعارضه ... حوت بياناً وتحصيلاً وإتقانا

كما حوت روحه في الخلد منزلة ... حازت من النَّور والأزهار ألوانا

لله روضٌ لقد ضمت جوانبه ... من ضيّق الأرض إكراماً وإحسانا

ومن سما بالذي كانت مجالسه ... معمورة أبدا علماً وعرفانا

يا زائراً ومسه أدعو بمرحمة ... واسئل له من غله العرش غفرانا

وقد أتاك طعين السن مرتقباً ... من فيض جودك إحساناً ورضوانا

فاجزل قراه بما يرجو مؤرخه ... (فرمسه قد روى روحاً وريحانا)

[٢٦]

[الشيخ محمد الدرناوي]

هو الشيخ محمد بن حسين الدرناوي نشأ هو وأخوه في طلب العلم الشريف، فأما أخوه عبد الله محمد الدرناوي فقد تعلق بالآداب وتحلى بحلية الكتاب، وفي نظم الشعر البديع، ختم على الشيخ أبي محمد عبد الله السوسي المختصر الخليلي ومدحه عند الختم بقصيدته التي قال في مطلعها: [الطويل]

سلوا مدمعي الهتان عن شرح أحوالي ... وعن غربتي عن أهلِ منذ أحوالِ

وهي قصيدة طويلة مثبتة في شعره وختم على الشيخ أبي عبد الله محمد الغرياني صحيح البخاري ومدحه عند الختم بقصيدة قال في مطلعها: [الطويل]

تصَّرْ على الشكوى وإن برّح الحبُّ ... وأن تألفَ السَّلوى وإن برّح الحبُّ

ولما استكمل التعاليم، وتقدم في الإنشاء على كل حميم، أولاه الأمير علي باي خطة الكتابة وتقدم في مراتبها إلى أن بلغ الرئاسة في مبدأ دولة الأمير حمودة باشا غير أنه عزل منها بعد حين ولازم بيته على وجاهته واحترامه إلى أن توفي أواسط ربيع الأول من سنة ١٢١١ إحدى عشرة ومائتين وألف ورسمت إلى قبره قصيدة من شعر الشيخ محمد قلالة تاريخها: [الكامل]

أيام مولده الشريف فأرخن ... وإلى علا الجنات سار محمد

وأما أخوه صاحب الترجمة فإنه سبق أخاه المذكور إلى العلوم الشرعية فتضلع فيها حتى كتب على شرح الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي وكتب على دره الفرائض وكتب على صحيح البخاري فهو فقيه فرضي من جهابذة علماء المعقول، ودروسه بجامع الزيتونة من أعز الدروس تحقيقاً وتحريراً، له اليد الطولى في الفصاحة وحسن الخط عالي الهمة متواضع.

ولما توفي الشيخ الثعالبي قدمه الأمير حمودة باشا إلى خطة الفتيا ومشيخة بئر الحجار سنة ١١٩٧ سبع وتسعين ومائة وألف فأحسن العمل لله والعباد، وأفاد المتعلمين والمستفتين بطريقة تستجاد، إلى أن توفي وصار إلى رحمة الله تعالى بالطاعون العام أواسط رجب الأصب سنة ١١٩٩ تسع وتسعين ومائة وألف ودفن مع أخيه بأعلى جبل الفتح في الجهة اليمنى بتربتهم عليهم رحمة الله ورسم على قبره تاريخ من شعر أخيه وهو: [الكامل]

ها قد توسد في الضريح صعيدا ... من بعد ما جاز السِّماك صعودا

من كان يا بشراه جلُّ حياته ... في سلكه التقى معدودا

العالم المفتي الذي أحكامه ... سلكت طريقاً في الأنام حميدا

فخر الزمان محمد الدرناوي من ... عانى العلوم وأصرف المجهودا

زان المدارس والدروس ببثه ... علما لطلاب العلوم مفيدا

<<  <   >  >>