للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اعتنى الشيخ المذكور بولده حسين وحضه على خدمة العلم فقرأ على الشيخ محمد الغرياني والشيخ صالح الكواش، ولازم الشيخ محمد بن سعيد النجم، ودرّس بمسجد سيدي أبي عصيدة قرب داره. ولما زيد له ولده صاحب الترجمة سماه محمد ولقبه وحجره للشيخ سيدي البحري صاحب الزاوية المعروفة بتونس وقد امتحن بفقد ولده المذكور في حياته وتوفي في غرة ذي الحجة الحرام سنة ١٢٥٥ خمس وخمسين ومائتين وألف.

وكانت ولادة ولده صاحب الترجمة سنة ١١٩٧ سبع وتسعين وائة وألف فتربى في حجر جده، ثم دخل إلى جامع الزيتونة، فقرأ على الشيخ الطاهر بن مسعود والشيخ إبراهيم الرياحي ولازم الشيخ حسن الشريف إلى أن تضلع بمعقول العلوم ومنقولها، فتصدى للتدريس.

وتقدم إماماً بجامع ابي محمد الحفصي بعد الشيخ إسماعيل التميمي ولما إرتقى الشيخ محمد العذاري إلى خطة قضاء باردو وتقدم عوضه لخطة قضاء المحلة وسافر مع المقدس مصطفى باشا في مبدإ دولة أخيه، وأقبل عليه أمير المحلة بالمودة التي استحكم أمرها بينهما.

ثم قدمه الأمير حسين باشا قاضي بالحاضرة في ربيع الثاني سنة ١٢٤٣ ثلاث وأربعين ومائتين وألف فاعتمد في ذلك على مراجعة الشيخ إسماعيل التميمي، ولازم الرجوع إليه في توقيفاته إلى أن تفقه في مهيع الشيخ التميمي بفقه القضاء بحسن رجوعه للحق.

وكان الشيخ محمد السنوسي جدي الأعلى يحضر المجلس الشرعي بخطة قضاء باردو، والعادة أن صاحب الخطة المذكورة ليس له حق التكلم في النوازل التي ترد للمجلس، ومع ذلك اتفق لصاحب الترجمة أن حكم في نازلة بالقتل ووافقه على ذلك من حضر من الشيوخ فأمر إليه المولى الجد بأن مشهور المذهب الذي عليه العمل في النازلة غير ما وقع عليه الاتفاق، فلم يتهيب الشيخ أن طلب من الأمير تأخير النازلة إلى أسبوع قابل وعند رجوعهما أرسل له النص في المسألة فلم يكن منه بعد العصر إلا أن ركب فرسه الخضراء، وحضر لدار المولى الجد وعند تلاقيهما قبله بين عينيه، وقال له: أنقذتنا من قتل نفس أنقذك الله من النار، وأرسل النص في المسألة لكافة الشيوخ، ولما حضر المجلس أمر بإحضار المدعى عليه وأعلن في المجلس للأمير بما وقع من المولى الجد وأن المشايخ اتفقوا على عدم قتل الرجل وقضى بذلك، شأن المنصفين المحبين للإهتداء إلى سواء السبيل.

ونازلة الأختلاف الذي وقع بينه وبين شيخه إبراهيم الرياحي قد عظم أمرها بسعاية من تداخل بين الشيخين من السعاة نسأل الله أن يغفر للجميع، بجاه النبي الشفبع. ومن لطيف التورية ما رأيته من شعر الشيخ محمد بيرم الرابع يخاطبه وقد وجه إليه حواشي الحكيم بعد أن طلبها بعد أن طلبها منه وتأخر بإرسالها.

[الطويل]

أيا من عدا تاجاً على مفرق الدهر ... ودرة يتم في عقود بني العصر

أتتك من التحقيق خود كواعبٌ ... تجل إلى التشبيه بالأنجم الزهر

ولا تحسب التأخير مني لريبة ... وحق الضحى والليل والعصر والفجر

ولكنها در نفيس وكيف لي ... بأن أهدي الدر النفيس إلى البحر

قيل: إنه قبل ولايته القضاء رأى رؤية وهي أن سيدنا أبا بكر الصديق أعطاه شيئاً من الفاكهة وإحدى عشرة خبزة وسيدنا عمر أعطاه ميزاناً، فعبر الميزان بالحكم والخبز بأعوان الولاية والفاكهة بأن تلك المدة تكون أيام سرور وراحة.

ولما ولي القضاء واستكمل السنين طلب من أحد المنجمين عند دخول سنة ٥٤ أربع وخمسين أن يعمل له نصبة في أحوال البلد، وأرسلها للشيخ عثمان النجار، فلما نظر فيها كتب عليها ولاية وعزل وموت أكبر قضانها فظن صاحب النصبة أن أكبر القضاة الميت هو الشيخ إبراهيم الرياحي وكان مسافراً في حج بيت الله الحرام نيابة عن الباشا مصطفى باي، ورأى أنه أن أعلم الشيخ البحري بذلك سره الأمر فلما أعلمه الخبر أصفر وجهه ورأى أن ذلك مطابقاً لمقتضى رأياه عليه رحمة الله.

وكان عالماً، فقيهاً، محققاً، فاضلاً، حازماً، عالي الهمة، حسن الأخلاق، ذا صيت بعيد، وسعي حميد، نفع به كثير من العبيد. وتوفي ليلة الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة ١٢٥٤ أربع وخمسين ومائتين وألف عليه رحمة الله آمين.

١٥-الشيخ محمد السنوسي

<<  <   >  >>