للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا يمين لكم يا لائمين لنا ... كم تركبون عظيم الحنث بالقسم

قال ناظمه في شرحه: بدئ وختم بالقسم.

[التذييل]

عدمت تذييل حظي حين قصره ... طول التفرق والدنيا إلى عدم

التذييل - ضرب من الأطناب، وهو تعقيب الجملة التامة نظما كانت أو نثرا بجملة تشتمل على معناها لتوكيد منطوقها، أو مفهومها، ليظهر المعنى لمن لم يفهمه، ويتقرر عند من فهمه، وهو ضربان: ضرب - يخرج مخرج المثل السائر، بأن يكون مستقلا بإفادة المراد فيكون جائز الاستعمال على الإنفراد، وهذا النوع هو الذي بنى عليه أرباب البديعيات أبياتهم، ومثاله قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فالجملة الأولى دلت بمنطوقها على زهوق الباطل. والجملة الأخيرة تأكيد وتقرير لذلك، وهو التذييل الذي أخرج مخرج المثل السائر.

وقول النابغة الذبياني:

ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المذهب

فصدر البيت دل بمفهومه على نفي الكامل من الرجال، وقوله: أي الرجال المهذب جملة مشتملة على هذا المعنى مؤكدة له خارجة مخرج المثل السائر وهو التذييل.

وقول الحطيئة:

تزور فتى يعطي على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المدائح يحمد

فعجز البيت كله تذييل أخرج مخرج المثل، وكل من صدره وعجزه مستقل بنفسه وتمام معناه ولفظه، مع ما بينهما من التلاحم الذي قلما يوجد بين صدر بيت وعجزه.

ومثله قول أبي الشيص:

وأهنتني وأهنت نفسي عامدا ... ما من يهون عليك مما يكرم

فعجز البيت بجملته تذييل خارج مخرج المثل، وفي ضمنه مطابقة بين الهوان والكرامة.

ومثله في ذلك كله قول الكافي أبي علي أبزون العماني:

نفر تعاقبهم بعفوك عنهم ... كم بالغ بالعفو فعل معاقب

وضرب - لا يخرج مخرج المثل لعدم استقلاله بإفادة المراد، وتوقفه على ما قبله، كقوله تعالى: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) إن قلنا: إن المعنى: وهل نجازي ذلك الجزاء المخصوص، فيكون متعلقا بما قبله. وقال الزمخشري: وفيه وجه آخر، وهو أن الجزاء عام لكل مكافأة، يستعمل تارة في معنى المعاقبة، وأخرى في معنى الإثابة، فلما استعمل في معنى المعاقبة في قوله تعالى: ذلك جزيناهم بما كفروا، بمعنى عاقبناهم بكفرهم، قيل: وهل نجازي إلا الكفور بمعنى وهل يعاقب. فعلى هذا يكون من الضرب الأول.

ومن ذلك قول الحماسي:

فدعوا نزال فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل

فعجز البيت كله تذييل لكنه لم يخرج مخرج المثل به واستقلاله وتوقفه على ما قبله.

وقول أبي الطيب المتنبي:

وما حاجة الأظعان حولك في الدجى ... إلى قمر ما واجد لك عادمه

فقوله: ما واجد لك عادمه، تذييل بديع لكنه لم (يخرج مخرج المثل لعين الأمر) .

وقوله أيضاً:

تمسي الأماني صرعى دون مبلغه ... فما يقول لشيء ليت ذلك لي

فالعجز كله تذييل على حد ما تقدم.

وقول ابن نباتة السعدي:

لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل

قال الخطيب في الإيضاح: قيل: نظر فيه إلى بيت أبي الطيب، وقد أربى عليه في المدح والأدب مع الممدوح، حيث لم يجعله في حيز من يتمنى شيئا. انتهى.

وغلط من قال: إن التذييل فيه أخرج مخرج المثل السائر، بل هو من الضرب الثاني لعدم استقلاله بإفادة المراد، لكون الخطاب في قوله (تركتني) للسابق، والمثل لا يكون إلا مستقلا بمعناه، منفصلا عما قبله.

وقد اجتمع الضربان في قوله تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون، كل نفس ذائقة الموت) فقوله: أفإن مت فهم الخالدون، تذييل الضرب الثاني لتوقفه على ما قبله، وتعلقه به، وقوله: كل نفس ذائقة الموت، من الضرب الأول، لأنه حكم كلي منفصل عما قبله. وقد يشتبه على من لا قدم له راسخة في هذا العلم، التذييل بالإيغال والتكميل والتكرير.

والفرق بين التذييل والإيغال من وجهين: أحدهما أن الإيغال يكون بغير الجملة، وبغير التأكيد، بخلاف التذييل.

والثاني - أن الإيغال لا يكون إلا في الكلمة التي فيها الروي وما يتعلق بها، والتذييل يكون في أكثر عجز البيت، ويستوعبه غالبا.

والفرق بينه وبين التكميل من ثلاثة أوجه:

<<  <   >  >>