للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

لا يهدم المن منه عمر مكرمة ... ولا يسوء أذاه نفس متهم

فمراده نفي المن والإساءة, وإن قديهما بالمكرمة والمتهم.

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

لم ينف ذما بإيجاب المديح فتى ... إلا وعاقدت فيه الدهر بالسلم

هذا البيت ليس فيه من نفي الشيء بإيجابه إلا لفظا النفي والإيجاب, وأما المعنى الذي تقرر في تفسير هذا النوع فليس فيه بوجه. وقال ناظمه في شرحه: معناه أنه ما نفى الذم بإيجاب المديح كريم إلا وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد عاقد الدهر بالسلم على ذلك المعنى, قبل الذي فعل هذا الفعل المحمود, فإنه هو الأصل في الأسباب الخيرية. هذا كلامه بنصه, فلم يزد إلا بعدا عن الغرض من هذا النوع.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

لا ينتفي الخير من إيجابه أبدا ... ولا يشين العطا بالمن والسأم

ظاهره نفي انتفاء الخير في إيجابه صلّى الله عليه وآله وسلّم, والمن والسأم في العطاء, والمراد نفي ذلك مطلقا.

وبيت بديعية الطبري قوله:

لم ينف إيجاب ما أعطاه آمله ... بالمن مستكثرا حاشاه من وصم

مراده عدم نفي إيجاب ما أعطاه مطلقا, وإن قيده بالمن والاستكثار.

وبيت بديعيتي هو:

نفى بإيجابه عنا بسنته ... جهلا نضل به عن وأضح اللقم

ظاهره نفي الجهل الموصوف بالضلال به عن واضح سواء الصراط, والغرض نفي الجهل مطلقا. واللقم بالتحريك: وسط الطريق.

وبيت بديعية الشيخ إسماعيل المقري قوله:

ما راع جارا رعاه وجه حادثة ... ولا انثنى مازجا دمعا جرى بدم

قال ناظمه في شرحه: إنه نفى ارتياع جاره من وجود الحادثات فقط, فكأنها تطرقه ولا تروعه. ومراده نفي الحوادث من أصلها, والزيادة قوله: رعاه, فكأنه نفى ارتياع جار رعاه فقط, والمراد نفيه عنه مطلقا. وكذلك قوله: ولا انثنى مازجا, ظاهره نفي مزج الدمع بالدم, والمراد نفي البكاء من أصله.

[الرجوع]

ولا رجوع لغاوي نهج ملته ... بلى بإرشاده الكشاف للغمم

هذا النوع جعله بعضهم من نوع الاستدراك وليس كذلك, بل الصحيح أن كلا منهما نوع برأسه. أما الاستدراك فقد سبق ذكره. وأما الرجوع فهو العود على الكلام السابق بنقضه وإيطاله لنكتة, وليس المراد أن المتكلم غلط ثم عاد, لأن ذلك يكون غلطا لا بديع فيه, بل المراد أنه أوهم الغلط وإن كان قاله عن عند إشارة إلى تأكد الإخبار بالثاني, لأن الشيء المرجوع إليه يكون تحققه أشد.

كقول زهير:

قف بالديار التي لم تعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم

فإن أول الكلام دل على أن تطاول الزمان, وتقادم العهد لم يعف الديار, ثم عاد إليه ونقضه لنكتة, وهي إظهار الكآبة والحزن, والحيرة والدهش. كأنه لما وقف على الديار تسلط عليه كآبة أذهلته, فأخبر بما لم يتحقق, ثم ثاب إليه عقله, وأفاق بعض الإفاقة فتدارك كلامه السابق قائلا: بلى عفاها القدم, وغيرها الأرواح والديم.

ومثله قول الآخر:

فأف لهذا الدهر لا بل لأهله ... وإن كنت منهم ما أمل وأعذرا

وقول أبي البيداء:

ومالي انتصار إن عدا الدهر جائرا ... علي بلى إن كان من عندك النصر

وعد كثير منه قول ابن الطثرية:

أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلا ليس منك قليل

وتعقبه بعض المحققين: بأن القليل الأول المثبت هو باعتبار القلة الحقيقية, والقليل الثاني النفي باعتبار المعنى والشرف فلم يتواردا على معنى واحد فلا رجوع.

ومنه قول المتنبي:

لجنية أم غادة رفع السجف ... لوحشية لا ما لوحشية شنف

وما أحسن قول أبي بكر الخوارزمي مع حسن التخلص:

لم يبق في الأرض من شيء أهاب له ... فلم أهاب انكسار الجفن ذي السقم

أستغفر الله من قولي غلطت بلى ... أهاب شمس المعالي أمة الأمم

وقول ابن اللبانة:

بكت عند توديعي فما علم المركب ... أذاك سقيط الطل أم لؤلؤ رطب

وتابعها سرب وإني لمخطئ ... نجوم الدياجي لا يقال لها سرب

وقول المتنبي أيضاً:

<<  <   >  >>