للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول: قال في القاموس في مادة (ف اض) فاض الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر، وفيوضة وفيضانا: كثر حتى سال كالوادي: وصدر بالسر باح، والرجل فيضاً وفيوضا: مات ونفسه خرجت روحه. انتهى. وقال في مادة (فاظ) - فاظ فوظاً وفواظا: مات، كفاظ فيظا وفيوظة وفيظانا محركة وفيوظا، وأفاظه الله، وفاظ نفسه: قاءها. وإذا ذكروا نفسه، ففاضت بالضاد. انتهى. إذا علمت هذا، فقوله فاظ القلب لا يتعين كونه بالظاء المشالة حتى يتعين فيه الجناس اللفظي، بل لو كتب بالضاد أو نطق به كذلك جاز، فيكون حينئذ من الجناس التام، لا من اللفظي، فيحصل الاشتباه فهو محذور. فالأولى اجتناب مثل هذا خصوصاً في البديعية.

وعلى ذلك فما ألطف قول أبي الحسن الباخرزي:

رعى الله أحبابنا الظاعنين ... وإن ضيعوا فيَّ شرط الحفاظ

فأحشاء أحبابهم بعدهم ... من النار مملوءة بالشواظ

فدمع يفيض ونفس تفيض ... وصبر يغاض وصب يغاظِ

وفي المصراع الأخير شاهد لما نحن فيه.

والشيخ عبد القادر الطبري جمع بين اللفظي والمقلوب والمطرف فقال:

قد غاض لفظي وغاظ القلب نقهته ... عن ربح حبر يتطرف فلم يلم

أنواع الجناس الثلاثة في هذا البيت، وأما معناه فالعلم عند الله تعالى.

وبيت بديعيتي هو قولي:

ظنوا سلوي إذ ضنوا فما لفظوا ... بذكر أنس مضى للقلب في أضم

اللظفي في (ظنوا) و (ضنوا) فالأول بالظاء المشالة: من الظن الذي هو خلاف اليقين، والثاني بالضاد: من الضن وهو البخل، وقرئ قوله تعالى: (وما هو على الغيب بضنين) بالوجهين.

فبالظاء المشالة، بمعنى متهم، وهو من الظنة بالكسر، أي التهمة، وهي راجعة إلى الظن، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي. وبالضاد، بمعنى بخيل من الضن الذي هو البخل، أي لا يبخل بالوحي، فيزوي بعضه غير مبلغه، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه، وهي قراءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر.

وشاهد الجناس المقلوب في البيت قولي: (مضى) و (أضم) ، فإن أضم مقلوب مضى. قال في القاموس وإضم كعنب: جبل والوادي الذي فيه المدينة المنورة) صلى الله عليه وسلم (على ساكنها وآله. عند المدينة يسمى القناة، ومن أعلى منها عند السد يسمى الشضاة، ثم ما كان أسفل ذلك يسمى أضما. انتهى.

والمعنى أنهم ظنوا سلوى عنهم حين بخلوا بوصلهم عليَّ، فلم يجروا على لسانهم زمان الوصل والأنس الذي مر لي معهم في ذلك المحل. ولم يزل الشعراء، يذكرون هذا الوضع في أشعارهم.

قال الشريف الرضي عليه من الله الرضا:

يشي بنا الطيب أحياناً وآونة ... يضيئنا البرق مجتازاً على اضم

وقال صاحب البردة:

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من اضم

وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:

يا حاظر الوصل باد غير حاضره ... ما دائم سقمي إن كنت من قسمي

[الجناس المعنوي]

قدري أبو حسن يا معنوي بهم ... ووصف حالي ابنه حال بحبهم

من أنواع الجناس، الجناس المعنوي، وهو قسمان: تجنيس إضمار وتجنيس إشارة.

فتجنيس الإضمار هو أن يضمر المتكلم ركني الجناس ويظهر في اللفظ ما يرادف أحد الركنين، ليدل على ما أضمره، فإن تعذر المرادف، أتى بلفظ فيه إشارة لطيفة تدل على ذلك المضمر، كقول أبي بكر بن عبدون وقد اصطبح بخمرة وترك بعضها إلى الليل فصار خلا:

ألا في سبيل اللهو كأس مدامة ... أتتنا بطعم عهده غير ثابتِ

حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة ... وأمست كجسم الشنفرى بعد ثابت

بنت بسطام بن قيس اسمها الصهباء، وقوله: كجسم الشنفرى بعد ثابت، أشار به إلى قول الشنفرى يرثي خاله تأبط شراً واسمه ثابت:

فاسقنيها أيا سواد بن عمرو ... إن جسمي من بعد خالي بخل

<<  <   >  >>