للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقيم ضربا عليه الحد حال تقى ... وحين أسرف لم يضرب ولم يضم

وهذا أيضاً لغز في السيف.

وبيت بديعيتي قولي ملغزا في السيف:

من كل كاسر جفن لا هدو له ... من الغرار فخذ الغاز وصفهم.

الجفن: غطاء العين، وغمد السيف، والهدو: السكون، والغرار: القليل من النوم، وحد السيف. فهذه ألفاظ تدل بظاهرها على غير المقصود وهو وصف السيف، بأنه يكسر غمده من ذلاقة حده، فلا قرار له في غمده، والله أعلم.

[الإرداف.]

هم أردفوا عذب الخطي جائلة ... حيث الوشاح بضرب الصارم الخذم.

الإرداف في اللغة، مصدر أردفه: إذا حمله خلفه على ظهر الدابة، فهو رديف، وردف. وفي الإصطلاح، هو والكناية شيء واحد عند علماء البيان، وفرق بينهما أئمة البديع، كقدامة، والحاتمي، والرماني، وغيرهم. قالوا: هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له، بل بلفظ هو ردفه وتابعه، كقوله تعالى (وقضي الأمر) والأصل: وهله من قضى الله هلاكه، ونجى من قضى الله نجاته. وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز، والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي بأمر آمر مطاع، وقضاء من لا يرد قضاؤه، والأمر يستلزم آمرا، فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره، وأن الخوف من عقابه والرجاء من ثوابه يحضان على طاعة الآمر، ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص.

وكذا قوله (واستوت على الجودي) حقيقة ذلك (جلست) فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه، لما في الإستواء من الإشعار بجلوس متمكن لازيغ فيه ولا ميل، وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس.

ومثاله من الشعر قول الشاعر:

الضارين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان.

الضغن بالضاد والغين المعجمتين: الحقد، ومراده القلوب، فذكرها بلفظة الإرداف.

ومثله قول البحتري في قصيدته التي يذكر فيها قتله للذئب ويصف طعنه له:

فأتبعته أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد.

ومراده القلب أيضاً.

وعند علماء البيان، أن فيه ثلاث كنايات لا كناية واحدة، لاستقلال كل واحدة منها بإفادة المقصود.

وقول ابن أبي الحديد:

كأن ضباة المشرفية من كرى ... فما تبتغي إلا مقر المحاجر.

أراد بمقر المحاجر: الرؤوس، والمحاجر جمع محجر كمسجد، وهو ما حول العين.

قال بعضهم: والفرق بين الكناية والإرداف، أن الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم، والإرداف مذكور إلى متروك.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

بفتية أسكنوا أطراف سمرهم ... من الكماة محل الضغن والأضم.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

للطعن والضرب أرداف يحل به ... في موضع العقل يحكيه ذوو الحكم.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وفي الوغى أردفوا لسن القنا سكنا ... من العدى في محل النطق بالكلم.

وبيت بديعية المقري قوله:

مازال يضرب في الأفاق معترضا ... بالبيض ما فيه عينا كل مجترم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

مثبت سيد الكونين لا صعق ... يحل منه محل اللب والحكم.

فقوله: محا اللب والحكم هو الإرداف.

وبيت بديعيتي قولي:

هم أردفوا عذب الخطي جائلة ... حيث الوشاح بضرب الصارم الخذم.

فقولي: حيث الوشاح هو الإرداف، والمراد به الكشح الذي يجري عليه الوشاح، والله أعلم.

الاتساع. قل في علي أمير النحل غرتهم=ما شئت وفق اتساع المدح واحتكم.

هذا النوع عبارة عن أن يأتي المتكلم في كلامه نثرا كان أو نظما بلفظ أو فأكثر يتسع فيه التأويل في هاتين اللفظين على ثلاثة وعشرين قولا: أ- هما الزوج والفرد من العدد. قال أبو مسام: وهو تذكير بالحساب لعظم نفعه، وما يضبط به من المقادير، وهو قول الحسن.

ب- هما كما خلقه الله، لأن الأشياء إما زوج أو فرد، وهو قول ابن أبي زيد والجبائي.

ج- الشفع، هو الخلق لكونه أزواجا، كما قال تعالى (وخلقناكم أزواجا) كالكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والضلالة والهدى، والليل والنهار، والسماء والأرض، والظلمة والنور، والجن والإنس. والوتر هو الله تعالى وحده، وهو في حديث الخدري عنه عليه السلام.

<<  <   >  >>