للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأبيض الوجه بيض الشم تخدمه ... وكل أروع زاكي الأصل والشيم.

وبيت بديعيتي قولي:

قل في علي أمير النحل غرتهم ... ما شئت وفوق اتساع القول واحتكم.

الاتساع في موضعين: أحدهما، قولي: أمير النحل، لقب بذلك لتقدمه وسبقه إلى الإسلام، كما يتقدم النحل أميرها فتتبعه. وقيل: لأن المؤمنون يلوذون به كما تلوذ النحل بأميرها، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وآله: أنت يعسوب الدين، والمال يعسوب الكفار، أي يلوذ بك المؤمنون، ويلوذ الكفار بالمال، كما تلوذ النحل بيعسوبها. وقيل لأنه سيد المؤمنين ورئيسهم الذي لا يتم لهم أمرا إلا به، كما لا يتم للنحل إلا بأميرها.

قال الشيخ كمال الدين الدميري: قيل لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: أمير النحل، وأمير النحل: يعسوبها، وهو ملكها الذي لا يتم لها رواح وإياب ولا عمل إلا به، فهي مؤتمرة بأمره، سامعة لرأيه، يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته، حتى إنها إذا آوت إلى بيوتها يقف على باب البيت فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى، ولا تتقدم عليها، بل تعبر واحدة بعد واحدة بغير تزاحم وتصادم ولا تراكم كما يفعل الأمير إذا انتهى بعسكره إلى مضيق انتهى.

وفي هذا اللقب تشبيه للمؤمنين بالنحل. قال عليه السلام: المؤمن كالنحلة لا تدخل إلا طيبا ولا تخرج إلا طيبا. الثاني، قوله: غرتهم، فإنه يحتمل أن يراد به سيدهم، يقال: فلان غرة قومه، أي سيده. ويحتمل أن يراد بهم أكرمهم، وغرة كل شيء أكرمه. ويحتما أن يراد أولهم، وغرة كل شيء أوله، ومنه الغرر لثلاث ليال من أول الشهر. قال عليه السلام لمحلم الليثي لما قتل عامر بن الأضبط الأشجعي: قتلته في غرة الإسلام، أراد في أوله. ويحتمل أن يراد بهم شريفهم، يقال: فلان غرة في قومه، أي شريف فيهم، ويحتمل أن يراد به خيارهم، وغرة المال خياره، كالفرس النجيب، والعبد، والأمة فارهين. ويحتمل أن يراد به أحسنهم وأجملهم، يقال: فلان غرة قومه، أي أحسنهم وأجملهم. ويحتمل أن يراد به العين المنظور إليه، يقال: فلان غرة في قومه، إذا كان المنظور إليه منهم، والمشار إليه، والله أعلم.

[التعريض.]

لا تعرضن لتعريضي بمدحته ... فأنني في ولادي غير متهم.

التعريض، هو الإتيان بكلام مشار به إلى جانب هو مطلوب، وإبهام أن الغرض جانب أخر وسمي تعريضا لما فيه من الميل عن المطلوب إلى عرض- بالضم، أي جانب- ويقال: نظر إليه بعرض وجهه- بالضم أي- بجانبه، ومنه المعارض في الكلام وهي التورية بالشيء عن الشيء، وفي المثل: إن في المعارض لمندوحة عن الكذب، أي سعة وفسحة، وهو إما لتنويه جانب الموصوف ما يقال: أمر المجلس السامي نفذ، والستر الرفيع قاصدا لكذا، تعريضا بأن المعبر عنه أرفع قدرا وشأنا من أن يسع الذاكر له التصريح باسمه وترك تعظيمه بالسكينة.

وق أشار إلى هذا المعنى زهير حيث قال:

فعرض إذا ما جزت بالبان والحمى ... وإياك أن تنسى فتذكر زينبا.

ستكفيك من ذاك المسمى إشارة ... فدعه مصونا بالجلال محجبا.

ولما سئل الحطيئة عن أشعر الناس ذكر زهيراً والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث، يعرض بنفسه، ولو صرح لم يفخم هذا التفخيم البليغ، كأنه قال الذي تعورف واشتهر، وعليه قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) أراد به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فلم يصرح بذكره بل عرض إعلاء لقدره، أي أن العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس، وأما لملاطفة، كما يقول المخاطب لمن يريد خطبتها: إنك لجميلة صالحة، وعسى الله أن ييسر لي امرأة صالحة، عملا بقوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبه النساء.

وأما فاستعطافه واستماحته، كما يقول المحتاج: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك الكريم.

قال الشاعر:

أروح لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك مني بالسلام تقاضيا.

وسئل عطاء عن معنى قوله عليه السلام: خير الدعاء دعائي، ودعاء الأنبياء من قبلي وهو (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير) وليس هذا دعاء إنما تقديس وتمجيد.

فقال: قال أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان:

إذا أثنى المرء عليك يوما ... كفاه من تعرضه الثناء.

<<  <   >  >>