للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى إذا نزت القلوب وقد ... لزت هناك العذر بالعذر.

وعلا هتاف الناس أيهما ... قال المجيب هناك لا أدري.

برزت صحيفة وجه والده ... ومضى على غلوائه يجري.

أولى فأولى أن يساويه ... لولا جلال السن والكبر.

وقال الكميت بن زيد في مخلد بن يزيد بن المهلب وأبيه:

ما أن أرى كأبيك أدرك شأوه ... أحد ومثلك طالبا لم يلحق.

تتجاريان له فضيلة سنة ... [وتلوت بعد مصليا لم يسبق] .

[أن تنزعا وله فضيلة سبقه] ... من بعد غايته فأحج وأخلق.

وقول الشريف الرضي يخاطب الخليفة القادر بالله العباسي:

مهلا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا تتفرق.

ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدا كلانا في المعالي معرق.

إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوق.

روي أنه لما بلغت هذه الأبيات القادر بالله قال: على رغم أنف الرضي.

وبيت بديعية الصفي قوله:

هم هم في جميع الفضل ما عدموا ... سوا الإخاء ونص الذكر والرحم.

هذا البيت غير مطابق لحد هذا النوع عند التأمل لما عرفت في حده أن الزيادة التي يؤتى بها للترجيح ينبغي أن لا ينقص بها مدح الآخر، والشيخ صفي الدين سلب بزيادته جميع الفضل عن الصحابة رضوان الله عليهم كما ترى، فلا يصلح شاهدا لهذا النوع.

وبيت بديعية الموصلي:

جمع لمؤتلف فيهم ومختلف ... في العلم والحلم مع تقديم ذي قدم.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

جمعت مؤتلفا فيهم ومختلفا ... مدحا وقصرت عن أوصاف شيخهم.

هذا البيت ليس فيه من هذا النوع إلا الاسم، وإما مسماه فهو عنه بمعزل كما لا يخفى.

وبيت بديعية المقري قوله:

وكلهم خيرة الله اصطفاه فما ... فضل النبي عليهم ضائرا بهم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

وبالشفاعة في الدنيا وآخرة ... وباللواء وحوض للورى شبم.

وبيت بديعيتي قولي: هم هم ائتلفوا أجمعا وما اختلفوا=لولا الأبوة قلنا باستوائهم.

[الإيداع.]

إيداع قلبي هواهم شادلي بهم ... من العناية ركنا غير منهدم.

الإيداع في اللغة مصدر أودعته مالا، إذا دفعته إليه ليكون عنده وديعة، وأودعته أيضاً إذا أخذت منه وديعة، فيكون من الأضداد، لكنه بمعنى الأول أشهر، والثاني بالمعنى الإصطلاحي أنسب.

وفي الاصطلاح هو أن يودع الشاعر شعره بيتا فأكثر، أو مصارعا فما دونه من شعر غيره، بعد أن يوطئ له في شعره توطئة تناسبه وتلائمه. ويسمى التضمين، والرفو أيضاً.

ومن قال: إن التضمين معدود من العيوب، وهو أن لا يقوم معنى البيت بنفسه حتى يؤتى بما بعده.

كقول الشاعر:

لا صلح بيني فأعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي.

سيفي وما أن مريض وما ... غرد قمري الواد بالشاهق.

فقد أخطأ، كابن حجة، لأن التضمين بهذا المعنى اصطلاح العروضيين، لا البديعيين، والخلط بين الاصطلاحين خطأ محض. ألا ترى أن العرضين يسمون التضمين بهذا المعنى، التتميم أيضاً، والتتميم عند البديعيين بمعنى أخر- كما عرفته- ويسمون كون بعض الكلمة في أخر البيت إدماجا، وهو أن عيوب القوافي أيضاً.

كقول بشر بن أبي خازم:

فسعدا فسائلهم والرباب ... وسائل هوازن عنا أذاما.

لقيناهم كيف تفريهم ... بوانر يفرين بيضا وهاما.

والإيداع عند البديعيين من المحاسن كما ستعرفه في بابه، وإنكار كون التضمين بمعنى الإيداع- بعد أن اصطلح عن ذلك كثير من أرباب هذا الفن، بل هو أشهر من الإيداع في هذا المعنى- لا وجه له.

ومنهم من خص إيداع البيت وما فوقه باسم الاستعانة، والمصراع وما دونه باسم الإيداع، وعلى ذلك جرى الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته.

وشرط قوم في الإيداع مطلقا أن ينبه الشاعر في شعره على ما أودعه من شعر غيره. إن لم يكن مشهورا عند البلغاء، وعاب ذلك قوم منهم ابن رشيق وقال: إنه من سوء ظن الشاعر بنفسه، ووافقه ابن أبي الإصبع وجماعة، قال الشيخ صفي الدين: وهو الصحيح.

تنبيهات. الأول، أحسن التضمين ما صرف عن معنى غرض الشاعر الأول، وما زاد على الأصل بنكتة كالتورية والتشبيه ونحو ذلك.

كقول ابن أبي الإصبع:

<<  <   >  >>