للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جرت منهم لأعناق العدى قضبا ... تبري الرقاب بحد غير منثلم.

[إيهام التوكيد.]

حققت إيهام توكيدي لحبهم ... ولم أزل مغريا وجدي بهم بهم.

إيهام التوكيد استخرجه الشيخ زين الدين عمر بن الوردي، وسماه بهذا الاسم، وهو عبارة عن أن يعيد المتكلم في كلامه كلمة فأكثر، مرادا بها غير المعنى الأول، حتى يتوهم السامع من أول وهلة أن الغرض التأكيد وليس كذلك، ولذلك سمي إيهام التوكيد. ولم أقف عليه في شيء من كتب هذا الفن، وإنما أشار إليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح لامية العجم استطرادا وقال: إنه في غاية الحسن، يظن السامع من أول وهلة أنه من باب التكرار وتحصيل الحاصل، إلى أن يعيره ذهنه ويتأمل معنى الشاعر في ذلك فيرقص طربا. انتهى.

ومثاله في القرآن المجيد قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فقوله: فيه فيه، هو إيهام التوكيد، فإن السامع يظن من أول وهلة أن الثانية تأكيد للأولى وليس كذلك.

ومن الشعر قول أبى نصر أحمد بن علي بن (أبي) بكر. (الزوزني) :

ألا حل بي عجب عاجب ... تقاصر وصفي عن كنهه.

رأيت الهلال على وجه من ... رأيت الهلال على وجهه.

وقول أبي عبد الله محمد بن أحمد صاحب الجيش بمصر في عبد الحميد بن الحسين بن علي بن الوزير المغربي:

قد أطلع الفال منه معنى ... يدركه العالم الذكي.

رأيت جد الفتى عليا ... فقلت جد الفتى علي.

وقول القائل:

قالت لترب معها منكرة ... لو قفتي هذا الذي نراه من.

قالت فتى يشكو الهوى متيم ... قالت بمن قالت بمن قالت بمن.

معناه: قالت بمن هو متيم؟ تستفهم من تربها، قالت لها: بالذي قالت بمن، وهو مأخوذ من قول أبي الطيب:

قالت وقد رأت اصفراري من به ... وتنهدت فأجبتها المتنهد.

قال الصلاح الصفدي: في البيتين عيب لم أر أحد تنبه له وهو الإيطاء قي القافية، وهو أن (من) في القافيتين للاستفهام، ولو كانت أحدهما للاستفهام والأخرى موصولة كالوسطى في قوله (قالت بمن) لكان أكمل وأخلص من الايطاء في بيتين.

وأنشد الشيخ زين الدين (بن) الوردي لنفسه في هذا النوع:

تعشقت أحوى إليه وسائل ... وإصلاح أحوالي لديه لديه.

أمر به مستعطفا ومسلما ... فيثقل تسليمي عليه عليه.

فلا كان واش كدر الصفو بيننا ... وبغض تحبيبي إليه إليه.

ومثله قول ابن نقادة:

يثبت تأليف الهوى حسنها ... وقدها إن ماح للصب ماح.

وطرفها مسكرة خمرة ... إذا أديرت يا صاح صاح.

واضحها موضع عذري فما ... يلومني فيه إذا لاح لاح.

ولم ينظم أحد من أصحاب البديعيات هذا النوع، وقد تفردت أنا في نظمه في بديعيتي، وهو في قولي في آخر البيت (ولم أزل مغريا وجدي بهم بهم) .

فإن قولي بهم بهم، يوهم التوكيد وليس توكيدا، بل (بهم) الأولى متعلقة بوجدي، والثانية بقولي: مغريا، والله أعلم.

[الترصيع.]

بهم ترصيع نظمي وانجلى ألمي ... وكم توسع علمي واعتلى علمي.

الترصيع في اللغة، التركيب، يقال: رصعت الجوهر في التاج، أي ركبته فيه.

وفي الاصطلاح، هو أن يقابل الناثر والناظم كل لفظة من الفقرة الأولى، أو صدر البيت، بلفظة مثلها وزنا وتقفية في الفقرة الأخرى وعجز البيت، وهو مأخوذ من ترصيع العقد، وذلك بأن يكون في أحد جانبيه من الجوهر مثل ما في الجانب الأخر، كقوله تعالى (إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم) .

وقول الطبري:

وزند ندى فواضله وري ... ورند ربى فضائله نضير.

ودره جلاله أبدا ثمين ... ودر نواله أبدا غزير.

وأحسنه ما خلا عن تكرار الألفاظ التي ليست من الترصيع، بحيث لا يكون في لفظ البيت لفظة إلا وفي عجزه أخت تماثلها حتى في العروض والضرب.

كقول ابن النبيه:

فحريق جمرة سيفه للمعتدي ... ورحيق خمرة شهده للمغتدي.

فإن روعي فيه الطباق كقوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) والجناس.

كقول اليوسفي:

فيا يومها كم من مناف منافق ... ويا ليلها كم من مناف موافق.

<<  <   >  >>