للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليك لولاك لم أصعد نشوز ربى ... ولم أواصل سرى الادلاج بالبكر.

كم نعمة لك لا تحصى مآثرها ... نفعا أنافت على الهطالة الهمر.

وكم لي اليوم من جدواك من أمل ... أثقلت فيه قرا المهرية الصغر.

كم فيك من نعم ترجى ومن نقم ... تخشي العداة من نفع ومن ضرر.

أنت الذي خلقت للتاج هامته ... وكفه لطوال السمر والبتر.

ووقفة لك فلت كل منصلت ... والسمر ما بين منآد ومنكر.

سررت كل صديق في مواقفها ... ما كاد يسأل حتى سر بالخبر.

وليلة من عجاج النقع حالكة ... جلوتها منك بالأوضاح والغرر.

ما إن قدحت زنادا يوم ملحمة ... إلا وأتبعت فيه القدح بالشرر.

شهدت فيك سجايا قد سمعت بها ... ففزت منك بملء السمع والبصر.

وأنعم بعيدك في عز وفي دعة ... والدهر يفتر عن أيامك الزهر.

وخذ إليك عروسا طالما حجبت ... زفت إليك وقد صيغت من الدرر

واسلم على رتب العلياء مرتقيا ... مؤيد العزم في بدو وفي حضر.

ولم ينظم السيوطي ولا الطبري هذا النوع من بديعيتهما والله أعلم.

[الترشيح.]

إذا أتيت بترشيح لمدحتهم ... حلى لساني وجيدي فضل ذكرهم.

الترشيح في اللغة بمعنى التربية، يقال: رشح الندى النبت ترشيحا: رباه فترشحن وفلان يرشح للملك: يربى ويؤهل له.

وفي الاصطلاح، هو أن يأتي المتكلم بلفظة تؤهل غيرها لضرب من المحاسن البديعية: أما التورية كقول التهامي:

وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار.

فذكر الشفير يرشح الرجاء للتورية برجاء البئر، وهو ناحيتها، ولولا ذكره لما كان فيه تورية، ولكان من رجوت بمعنى ضد اليأس فقط، لقوله أولا: وإذا رجوت المستحيل.

أو الطباق كقول أبي الطيب:

وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لرأيت فيه جهنما.

فقوله: يا جنتي، رشحت لفظة جهنم للمطابقة.

أو الاستخدام كقول أبي العلاء في صفة الدرع:

تلك مأذية وما لذباب الصي ... ف والسيف عندها من نصيب.

فإن ذكر السيف رشح الذباب لاستخدامه، بمعنى طرف السيف، ولولاه لا نحصر في معنى الطائر المعروف.

أو تحقيق المبالغة في التشبيه وذلك في الاستعارة والمرشحة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار.

كقوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) فإنه استعار الاشتراء للاستبدال والاختيار، ثم رشحه بما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة، فذكر الربح والتجارة يرشح حقوق المبالغة في التشبيه. وبيان ذلك: إن في الاستعارة مبالغة في التشبيه، فترشيحها بما يلائم المستعار تحقيق لذلك وتقوية. فظهر أن الترشيح لا يختص بنوع من البديع، فمن زعم أنه ضرب من التورية فلا معنى لجعله نوعا برأسه، فقد توهم.

وبيت بديعية الصفي قوله:

أن حل أرض الناس شد أزرهم ... بما أتاح لهم من حط وزرهم.

فقوله (سد) رشح لفظة (حل) للمطابقة، ولولاه لبقيت على عنى الحلول وفاتت المطابقة.

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في مطابقته.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

في الفتح ضم من لأنصار شملهم ... جبرا لكسر بترشيح من الرحم.

رشح الفتح للتورية بذكر الصم، ورشح الضم للتورية بذكر الكسر.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

يس زادت على لقمان حكمته ... وبأن ترشيحه في نون والقلم.

فذكر لقمان رشح يس للتورية، وذكر نون والقلم رشح لقمان للتورية.

وبيت بديعية المقري قوله:

كم صاف في رمضي صيف وحر ظما ... من سامه رمضان الفطر لم يلم.

قال في شرحه: رمضان تثنية رمض، والمعنى (من كلفه رمض أن يفطر لم يلم) لأن رمضان هنا تثنية رمض، وقد شرحه لرمضان الذي هو شهر الصوم والفطر معه. وفي معنى البيت غرة. انتهى.

وبيت بديهية السيوطي قوله:

وكلما نسجوا حوكا بوشيهم ... عنى لهم رشحوه باختراعهم.

فذكر النسيج والحوك رشح الوشي للتورية بمعنى رقم الثوب ونقشه، ولولاه لبقي على معنى السعاية والنميمة.

وبيت بديعية العلوي قوله:

تراه أسود من لبس الدروع له ... بياض وجه يضي للوفد من الظلم.

وبيت بديعية الطبري قوله:

<<  <   >  >>