للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم ينظم الطبري هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعيتي قولي:

نلت السلامة من بحر القريض وقد ... سلكته لاختراعي در وصفهم.

[تضمين المزدوج.]

وصحبة الأوفياء الأصفياء أتى ... تضمين مزدوج مدحي لجمعهم.

هذا النوع لم ينظمه الشيخ صفي الدين الحلي (ره) في بديعيته، ولا سائل أصحاب البديعيات التي ذكرناها، وهو من مستخرجات صاحب المعيار. قال: وهو أن يأتي المتكلم في أثناء قراين النثر، أو أحد شطري البيت، بلفظين مسجعين بعد مرعاة حدود الأسجاع والقوافي. كقوله تعالى "وجئتك من سبأ بنبأ يقينٍ" وقوله "ويدعوننا رغباً ورهباً" وقوله "ولا نطيع فيكم أحداً أبدا"، وقول رسوله عليه وآله السلام: المؤمنون هينون لينون.

ومثاله من النظم قول البحتري:

إن الظباء غداة سفح محجّر ... هيّجن حرَّ جوىً وفرط تذكر

من كل ساجي الطرف أغيد أجيد ... ومهفهف الكشحين أحوى أحور

وقول الآخر يرثي الصاحب بن عباد:

مضى الصاحب الكافي ولم يبق بعده ... كريم يروي الأرض فيض غمامه

فقدناه لما تمَّ واعتمَّ بالعلى ... كذاك خسوف البدر عند تمامه

وقول بعضهم:

تعود وسم الرهب والنهب في العلى ... وهذان وقت اللطف والعنف دابه

ففي اللطف أرزاق العفاة هباته ... وفي العنف أعمار العداة نهابه

والشاهد في بيت البديعية قولي: الأوفياء الأصفياء، والله أعلم.

[ائتلاف اللفظ مع المعنى]

لفظي ومعناي قد صحَّ ائتلافهما ... بمدح أروع ماضي السيف والقلم

هذا النوع عبارة عن أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد منه فإن كان فخماً كانت ألفاظه مفخمة، أو غريباً فغريبة، أو متداولاً فمتداولة، أو متوسطاً بين الغرابة والاستعمال فكذلك، كقوله تعالى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"، لما كان الركون إلى الظالم وهو الميل إليه دون مشاركته في الظلم، وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم، فأتى بلفظ المس دون الإحراق والإصلاء، وقوله تعالى "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" أتى بلفظ الاكتساب المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها.

ومثاله قول زهير:

أثافي سفعاً في معرس مرجل ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتلثم

فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا أنعم صباحاً أيها الربع واسلم

الأثافي، هي الأحجار التي تنصب عليها القدر، جمع أثفية - بضم الهمزة وتشديد الياء - والسفع: السود، جمع سفعاء كسود جمع سوداء. والمعرس: المنزل، من التعريس وهو النزول في وجه السحر، استعارة للمكان الذي ينصب فيه المرجل، والمرجل: القدر، والنؤي: حفيرة تحفر حول الخباء لئلا يدخله المطر. والجذم بالكسر: أصل الشيء. ولم يتلثم [أي] لم تحصل له ثلمة. وأثافي، منصوب على البدل أو الحال من الدار في البيت السابق وهو:

وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأياً عرفت الدار بعد توهُّم

واللأي: النظر، أي عرفتها بعد نظر وتوهم. والشاهد في البيتين أنه أتى في البيت الأول بألفاظ غريبة لكون معناه متعارفاً، وهو الدعاء بالنعمة والسلامة.

وعن خلاد قال: قلت لبشار بن برد: إنك لتجيء بالشيء المتفاوت، قال: وما ذاك؟ قال: قلت: بينما تقول شعراً تثير به النقع، وتخلع به القلوب مثل قولك:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا وسلما

إلى أن تقول:

ربابة ربة البيت ... تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصوت

فقال: لكل شيء وجه وموضع، فالقول الأول جدّ، وهذا قلته في جاريتي ربابة، وأنا لا آكل البيض من السوق، فربابة هذه لها عشر دجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض وتحفظه، فهذا من قولي عندها أحسن من (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) عندك.

<<  <   >  >>