للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا أذكر هنا فصلاً من كتاب الوساطة للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني - ويليق ذكره بهذا النوع - وهو قوله (لا آمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرى واحداً، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه، بل أرى لك أن تقسم الألفاظ على مراتب المعاني، فلا يكون غزلك كافتخارك، ولا مديحك كوعيدك ولا هجاؤك كاستبطائك، ولا هزلك بمنزلة جدك، ولا تعريضك مثل تصريحك. بل ترتب كلاً مرتبته وتوفيه حقه، فتتلطف إذا تغزلت، وتفخم إذا افتخرت، وتتصرف للمديح تصرف مواقعه. فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف، ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والندام، ولكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به، وطريق لا يشاركه الآخر فيه. وليس ما رسمته لك في هذا الباب بمقصور على الشعر دون الكتابة، ولا يختص بالنظم دون النثر، بل يجب أن يكون كتابك في الفتح أو الوعيد خلاف كتابك في الشوق أو التهنية، وخطابك إذا حذرت وزجرت أفخم منه إذا وعدت ومنيت. انتهى.

وبيت بديعية الصفي قوله:

كأنما حلق السعدي منتثراً ... على الثرى بين منفضٍّ ومنفصم

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

تؤلف اللفظ والمعنى فصاحته ... تبارك الله منشي الدر في الكلم

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

تألف اللفظ والمعنى بمدحته ... والجسم عندي بغير الروح لم يقم

قوله: عندي من الحشو القبيح.

وبيت بديعية المقري قوله:

بر رحيم ومن عاداه معترف ... يقرُّ بالفضل عيني كل محتكم

وبيت بديعية السيوطي قوله:

سهل رفيق رحيم لين رؤوفٌ ... تألّف اللفظ في معناه بالحكم

وبيت بديعية العلوي قوله:

وإن عدا ذو عناد غص ساعته ... بالموت عادا غداً أو كان من إرم

وبيت بديعية الطبري تقدم في أنواع المشاكلة.

وبيت بديعيتي قولي:

لفظي ومعناي قد صحَّ ائتلافهما ... بمدح أروع ماضي السيف والقلم

[الموازنة]

موازن مازن مستحسن حسن ... معاون صائن مستكمن شهم.

هذا النوع عبارة عن أن يقفي الشاعر جميع أجزاء البيت العروضية على قافية واحدة، أو روي واحد بخلاف روي البيت من غير حشو بلفظ أجنبي يفرق بين أجزائه وبين الأخر.

كقول امرئ القيس:

أفاد فساد وقاد فذاذ ... وشاد فجاد وعاد فافضل

وجعل ابن أبي الإصبع هذا النوع قسما من التسميط وسماه تسميط التقطيع، وقد مرت الإشارة إلى ذلك في نوع التسميط، ولا مشاحة في الاصطلاح.

ومنه قول ابن هاني المغربي:

يا دار أشبهت المها فيك المها ... والسرب إلا آتهن عوا طل.

إذ ذلك الوادي قنا وأسنة ... وإذ الديار مشاهد ومحافل.

وعوابس وقوابس وفوارس ... وكوانس وأوانس وعقائل.

وقوله أيضاً:

ملأوا البلد رغائباً وكتائباً ... وقواضباً وشوازباً إن ساروا.

وجداولاً وأجادلاً ومقاولاً ... وعواملاً وذوابلاً واختاروا.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين قوله:

مستقل قاتل مسترسل عجل ... مستأصل صائل مسنحفل خصم.

ولم ابن جابر ولا المعز الموصلي ولا ابن حجة ولا السيوطي ولا الطبري هذا النوع في بديعياتهم.

وبيت بديعية المقري قوله:

مصدق صادق مدّفق غدق ... موافق أفق مغدودق الديم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

مستكمل كامل مستنفصل فصل ... مستفضل فاضل مستوصل الرحم.

وبيت بديعيتي قولي:

موازن مازن مستحسن حسن ... معاون صائن مستكمن شهم.

الموازن اسم فاعل من الموازنة بمعنى المكافأة، قال في القاموس: وإن فلانا: كافاه على فعاله. مازن اسم فاعل من مزن بمعنى أضاء وجهه، والشهم: الذكي المتوقد الفؤاد، والسيد النافذ الحكم، والله أعلم.

[ائتلاف اللفظ مع الوزن.]

تألف اللفظ والوزن البسيط به ... فاطرب له من بديع النظم منسجم.

هذا النوع عبارة عن تكون كلمات البيت صحيحة الترتيب واللغة والإعراب، بحيث لا يضطر الشاعر لأجل إقامة الوزن إلى تقديم بعض الألفاظ وتأخير بعضها فيفسد تصور المعنى ويذهب رونق اللفظ، وإلى فصل ما حقه الاتصال، وإلى إفساد اللغة بزيادة في الكلمة أو نقصان، أو إلى إفساد الإعراب.

<<  <   >  >>