للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيت بديعية المقري قوله:

رضاعه كان في سعد ومولده ... فيه ومبعثه بالسعد للأمم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

منجي الورى من بحار الذنب إذ غرقوا ... بموجها بجواري موجها العمم.

وبيت بديعية الطبري قوله:

هذا نذير شفيع كم به ائتلفا ... لفظ به مع لفظ ألفة الرحم.

وبيت بديعتي قولي:

وجاء باللفظ فيه وهو مؤتلف ... باللفظ يحدو به الحادون بالنغم.

[الإيجاز.]

لا ترضى إيجاز مدحي فيهم أصغ إلى ... مدحي الذي شاع بين الحل والحرم.

الإيجاز في اللغة مصدر أوجز في كلامه: إذ قلله.

وقي الاصطلاح، قال السكاكي: هو أداء المقصود من الكلام (بأقل من عبارة المتعارف) .

وقال الخطيب: هو التعبير عن المراد بلفظ ناقص عنه، واف به.

وقال ابن الأثير وجماعة: هو التعبير عن المراد بلفظ غير زائد.

وقد استوفيت الكلام على ذلك في نوع البسط فليرجع إليه. وهو- أعني الإيجاز- قسمان، إيجاز قصر، وإيجاز حذف: - فالأول هو الوجيز بلفظه: قال الشيخ بهاء الدين السبكي: الكلام القليل إن كان بعض من كلام أطول منه فهو إيجاز قصر.

وقال بعضهم: إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ.

وقال آخر: هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من قدر المعهود عادة.

وسبب حسنه أنه يدل على التمكين في الفصاحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أوتيت جوامع الكلم. قال بعضهم: أي أعطيت قوة إيجاز في اللفظ مع بسط في المعاني، فأتيت بالكلمات اليسيرة والمعاني الكثيرة. ومن أمثلته قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي".

فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المشار به إلى جميع الواجبات اعتقادا وخلقا وعملا. والإحسان هو التطوع بالنوافل والإخلاص في مواجب العبودية، لقوله صلوات الله عليه: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. أي تعبده مخلصا في نيتك، واقفا في الخضوع، آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى. وإيتاء ذي القربى، هو الزيادة على الواجب من النوافل. هذا من جانب الأوامر، وأما من جانب النواهي، فبالفحشاء: الإشارة عن الشهوانية الخارجية عن الأذن كالزنا وغيره. وبالمنكر: إلى الإفراط الحاصل من آثار القوة الغضبية.

وبالبغي: إلى الاستعلاء على الناس الفائض عن القوة الوهمية. ولا يوجد شر إلا وهو مندرج تحت أحد هذه الأقسام، ولهذا قال ابن مسعود: ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية، أخرجه في المستدرك.

وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن، أنه قرأها يوما ثم وقف، قال: إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا؛ ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله إلا جمعه. قوله تعالى "خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين" فإنها جامعة لمكارم الأخلاق، لأن في أخذ العفو: التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين، وفي الأمر بالمعروف: كف الأذى وغض البصر وما شاكلها من المحرمات، وفي الأعراض: الصبر والحلم والتوأدة. روي عن جعفر الصادق عليه السلام أن الله تعالى أمر نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

ومن بديع الإيجاز قوله تعالى: (قل هو الله أحد) إلى أخرها، فإنها نهاية التنزيه، وقد تضمنت الرد على نحو أربيعين فرقة، كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد. وقوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة) فإن معناه كثير ولفظه يسير، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتَل قُتِل كان ذلك داعيا قويا له إلى أن لا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو قصاص، كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، فكان ارتفاع القتل حياة لهم، وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى، وهو قولهم (القتل أنفى للقتل) بعشرين وجها أو أكثر. وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال: لا نسبة بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك.

ومن النظم قول لبيد:

واكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل.

<<  <   >  >>