للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الخامس والعشرون في قافية النون]

[وفيها ثلاثة فصول]

الفصل الأوّل في المديح

قلت في مدحه:

لازلت يا دهر تجلو منظر حسناً ... عن طلعة سعدها في يمنها اقترنا

لماجد اشرقت في الكرخ غرّته ... شمساً تمزّق في أنوارها الدجنا

أغرَّ سار فكان البدر ترمقه ... الدنيا وجاد فكان العارض الهتنا

وكم سمعت بداع من لمكرمة ... فهل سمعت سواه من يقول أنا

محمّد حسن الأخلاق راحته ... البيضاء كم طوّقت جيد الورى مننا

أما وحبوة علياه وما جمعت ... من الفخار وبرديه وما ضمنا

لقد كسا مجده الزوراء باجمعها ... برداً من الفخر فيه فاخرت عدنا

يا باسطاً للندى كفّاً بنائلها ... تبخّل الأجودين البحر والمزنا

قسنا الورى فوجدناها الوهاد لكم ... جميعها ووجدناكم لها القننا

والحلم يولد فيما بينكم معكم ... يا خفّة الطود لو في طفلكم وزنا

لا زال بيت علاكم للورى حرماً ... من راعه الدهر واستذرى به أمنا

أنتم جواهر عقد الفخر لا برحت ... بكم تحلي يدا علياكم الزمنا

أقول: فأمّا قولي:

يا باسطاً للندى كفّاً بنائلها ... تبخّل الأجودين البحر والمزنا

ففيه التوشيع وهو من الوشيعة وهي الطريقة الواحدة في الروي المطلق، كأنّ الشاعر أهمل البيت كلّه إلاّ آخره فإنّه أتى فيه بطريقة تعدُّ من المحاسن وهو عبارة عن إتيان المتكلّم أو الشاعر باسم مثنّى في آخر الكلام، أو البيت لم يكن بعده إلاّ مفردان هما غير ذلك المثنّى، فيكون الأخير منهما هو قافية البيت أو سجعة الكلام كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يشيب المرؤ وتشب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل. وشاهده من النظم قول أبي تمام:

إنّ الحمامين من بيض ومن سمر ... دلّوا الحيانين من ماء ومن عشب

وقول أبي محمّد عمارة بن أبي الحسن الحكمي الشاعر المشهور ولقد أجاد فيما قال:

حيث الخلافة مضروب سرادقها ... بين النقيضين من عفو ومن كرم

وللإمامة أنوار مقدّسة ... تجلوا البغيضين من ظلم ومن ظلم

وللنبوّة آيات تدلّ لنا ... على الخفيين من حكم ومن حكم

وللمكارم أعلام تعلّمنا ... مدح الجزيلين من بأس ومن كرم

وللعلى السن تثني محامدها ... على الحميدين من فعل ومن شيم

في أبيات آخر على هذا المنوال، والشواهد في هذا المقام كثيرة ولا طائل في الإكثار منها.

[الفصل الثاني في الرثاء]

لمّا توفّي محمّد الرضا خلف الفاضل محمّد الصالح، حملت جنازته من بغداد للنجف واجتازوا بها على الحلّة ولم أكن يومئذ بها ولم أعلم بالأمر حتّى عادوا، فقلت:

نعم هذه يا دهر أُمّ المصائب ... فلا توعدني بعدها بالنوائب

ألا هلمّ فاستمع مقالي، وتعجب ممّا تصرّفت بي الليالي، هل رأيت مثلي فقيداً شطّ به المزار، فلا يدري بنفسه وهي قد خرجت من دار الدنيا إلى دار القرار.

كفاني بهذا جوىً ما بقيت ... يجدّد في القلب داءً رغيها

نعم وكلّما أردت النياحة في هذه المصيبة، أفحمني استعظام هذه النازلة الغريبة، فاعذل عن هذه الحبسة نفسي، وأتمنّى لو أنّني حبست قبلها برمسي، حتّى قالت لي النفس أجل، مالك سبق السيف إلى أوداجك العذل، ما عسى أن أقول ولمن أعزي وأنا الثكول، وعلى من أنوح وأنا الفقيدة، ولمن في اللحد أُنادي وأنا الملحودة.

ما أخطأك النائبات ... إذا أصابب من تحبُّ

بلى، لا سمحت لك قريحة لبّي، أو تنوح عنّي بلسان حالي، وإلاّ فبحسبي نياحة قلبي، فاجتباها إليّ مقالها، وقلت على لسان حالها:

أطوياني ملامة وانشراني ... بلغ الوجد حيث لا تبلغان

قد عناني جوىً يطول وفيه ... يقصر اللوم عن مردّ عناني

كيف عيني لم تغد بيضاء حزناً ... وهي قد أصبحت بلا إنسان

إنّ صوت النعي مذ خاض سمعي ... خلته في حشاي غرب سنان

وعضضت البنان غيظاً ولكن ... لا يفيد المكلوم عضَّ البنان

فاعذراني إذا ربطت فؤادي ... بيدي وانطويت ممّا دهاني

إنّ قلبي من دهشتي طار حزناً ... فغدا وهو دائم الخفقان

<<  <   >  >>