للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنْ أتصدّق به حسبةً ... فإنّ المساكين أولى به

وقوله أيضاً:

الله يسهر في مديحك ليله ... متململاً وتنام دون ثوابه

يقظان ينتخب الكلام كأنّه ... جيش لديه يريد أن يلقى به

فأتى به كالسيف رقرق صيقل ... مابين قائم سنخه وذبابه

فجبهته حتّى تخيل أنّه ... هاج أتاك بشتمه وسبابه

وممّا ينظم إلى البخل الإخلاف في المواعيد والمطل، بل عدّه بعضهم أقبح منه فقال: ألأم من البخل، لأنّ من لم يفعل المعروف لزمه ذمّ اللؤم وحده، ومن وعد وأخلف لزمه ثلاث مذمّات: ذمّ اللّؤم وذمّ الخلف وذمّ الكذب.

كتب العتابي إلى بعض أهل السلطان: أمّا بعد؛ فإنّ سحائب وعدك أبرقت فلين وابلها سالماً من علل المطل.

وقيل: الوعد نافلة والإنجاز فريضة.

وقيل: الوعد مرض المعروف، والإنجاز برؤه، والمطل تلفه.

وقيل: خلف الوعد خلق الوغد.

قال بعض الشعراء:

فما أقبح الخلف بعد المقال ... وما أسمج الخلف بالباخلينا

وقالت الحكماء: لا مريحة، خير من نعم نجيحة.

وقالوا: المطل مفسدة للصنيعة.

وقالت الحكماء أيضاً: الخلف ماحي شرف الكرام ومعف لرسول الجود، وهو أقصى مراتب اللؤم، وفاعله قد باء بغض من الله.

قال الشاعر:

فإن تجمع الآفات فالبخل شرُّها ... وشرٌّ من البخل المواعيد والمطل

وقال أبو نؤاس:

وعدتني وعدك حتّى إذا ... أطعمتني في كنز قارون

جئت من الليل بغسّالة ... تغسل ما قلت بصابون

وقال آخر:

يحتاج من يرتجي نوالكم ... إلى ثلاث بغير تكذيب

كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوح وصبر أيّوب

وقال آخر:

إنّ أبا أيّوب في فعله ... مؤيّدٌ بالحجج البالغه

ما فيه من عيب سوى أنّه ... يدهن من قارورة فارغه

لو غيره أخلفني موعداً ... أتته منّي عقربٌ لادغه

لا يقدر الأعشى على نقضها ... ولا امرء القيس ولا النابغه

وما أحلى قول الصفي الحلّي وفيه حسن التعليل وهو:

وعدت جميلاً فأخلفته ... وذلك بالحرّ لا يجمل

وقلت بأنّك لي ناصر ... إذا قابل الجحفل الجحفل

وكم قد نصرتك في كرَّة ... تكسر فيها القنا الذبل

ولست أمنُّ بنفعي عليك ... فأعجب بالقول إذ أعجل

كما قاله الباز في عزّه ... به حين فاخر البلبل

وقال أراك جليس الملوك ... ومن فوق أيديهم تحمل

وأنت كما عملوا صامت ... وعن بعض ما قلته تنكل

وأحبس مع أنّني ناطق ... وحالي عندهم مهمل

فقال صدقت ولكنّهم ... بذا عرفوا أيّنا الأكمل

لأنّي فعلت وما قلت قط ... وأنت تقول ولا تفعل

وقال الآخر:

وعدلك لا ينقضي له أمد ... ولا لليل المطال منك غد

عللتني بالمنى غداً فغداً ... إنّ غداً سرمدٌ هو الأبد

ومن الغايات في هذا الباب قول عمّي المهدي طاب ثراه وأظنّه لم يسبق إليه:

وقلت خذ في الحشر ما وعدته ... ترغم به اليوم أنوف الحسد

فقمت من آخرتي أنقل لل ... دنيا عطاياً فضلها لم يجحد

وقولي في غرض لي:

قالوا طريق الكرخ سمحٌ فلمْ ... تشكو أذى السير اشتكاء العليل

قلت نعم سمحٌ ولكنّه ... أبعد من انجاز وعد البخيل

إنتهى ما أردنا ذكره من ذلك، وفيما أوردناه كفاية للطالب ومقنع للراغب، ولنشرع بذكر الأبواب.

الباب الأوّل في قافية الألف

[وتشتمل على فصول]

[فصل في المديح]

قلت فيه هذه المقطوعة:

أنجوم بنورها يستضاء ... نثرتها بأفقها العلياء

أم مزاياً تودُّ لو أنَّ منها ... فصّلت نظم عقدها الجوزاء

مكرمات بنشرها الفضل يحيى ... لكريم لولاه مات الرجاء

لا تقس واصلاً بمن كلّ يوم ... واصلٌ منه للوفود عطاء

كرماً تستهلُّ في كلّ قطر ... من غواديه ديمة وطفاء

يا مطيب القرى إذا مااقشعرّت ... ببني الدهر شتوة غبراء

أين من يرتقي لعلياك منهم ... وهم في الهبوط عنك سواء

وسماءٌ تظلّهم وهي أرض ... لك لكنّها عليهم سماء

إنّ هذي الدنيا يشعّ عليها ... رونق منك رائق وبهاء

<<  <   >  >>