للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يبدو أن نسيب فن إسلامي بدأه عمر بن أبي ربيعة وجميل وكثير وطبقتهم، والحقيقة أن هؤلاء كانوا يحتذون مثالاً لمن تقدمهم، وما أظن أحداً بلغ من صفة النساء ما بلغ النابغة حين سأله النعمان أن يصف امرأته المتجردة، أو ما بلغ المنخل اليشكري والمرار العدوي وسويد بن أبي كاهل وشعر المرقشين الأكبر والأصغر وعبد الله بن العجلان النهدي وقيس بن الحدادية، ممن صدقوا الحب ونسبوا في لفظ عفيف ومعنى نزيه مشهور معروف.. قال المرقش الأكبر:

سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرقني أصحاب هجود

فبت أدير أمري كل حال ... وأرقب أهلها وهم بعيد

على أن قد سما طرفي لنار ... يشب لها بذي الآرطي وقود

حواليها مهاجم التراقي ... وآرام وغزلان رقود

نواعم لا تعالج بؤس العيش ... أوانس لا تروح ولا ترود

يرحن معاً بطاء المشي بدا ... عليهن المحاسد والبرود

سكن ببلدة وسكنت أخرى ... وقطعت المواثق والعهود

فما بالي أفي ويخان عهدي ... وما بالي أصاد ولا أصيد

ورب أسيلة الخدين بكر ... منعمة لها فرع وجيد

وذو أشر شتيت النبت عذب ... نقي اللون براق برود

لهوت بها زماناً من شبابي ... وزارتها النجائب والقصيد

أناس كلما أخلقت وصلا ... عناني منهم وصل جديد

وقال:

نواعم أبكار سرائر بدن ... حسان الوجوه لينات السوالف

يهدلن في الآذان كل مذهب ... له زبد يعيان به كل واصف

قصرن شقيا لا يبالين غيه ... يعوجن من أعناقها بالمواقف

نشرن حديثاً آنساً فوضعته ... خفيضا فلا يلغى به كل طائف

ولعبد الله بن العجلان:

ألا أبلغا هند أسلامي فإن نأت ... فقلبي مذ شطت بها الدار مدنف

ولم أر هنداً بعد موقف ساعة ... بأنعم في أهل الديار تطوف

أنت بين أتراب تمايس إذ مشت ... دبيب القطا أو هن منهن أقطف

أشارت إلينا في خفاء وراعها ... سراة الضحى مني على الحي موقف

وقالت تباعد يا ابن عمي فإنني ... منيت بذي صول يغار ويعتف

وقال:

خليلي زورا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا

ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة ... أغيا يلاقى في التعجل أم رشدا

ومرا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا

وقولا لها ليس الضلال أجارنا ... ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا

وقال قيش بن الحدادية من قصيدة طويلة:

أجدك أن نعم نأت أنت جازع ... قد اقتربت لو أن ذلك نافع

قد اقتربت لو أن في قرب دارها ... نوالا ولكن كل من ضن مانع

وقد جاورتنا في شهور كثيرة ... فما نولت والله راء وسامع

وظني بها حفظ لغيبي ورعية ... لما استرعيت والظن بالغيب واسع

فقالت لقاء بعد حول وحجة ... وشحط النوى إلا لذي العهد قاطع

وقد يلتقي بعد الشتاء أولو النوى ... ويسترجع الحي السحاب اللوامع

ومنها:

كأن فؤادي بين شقين من عصا ... حذار وقوع البين والبين واقع

يحث بهم حاد سريع نجاؤه ... ومعرى عن الساقين واللوب واسع

فقلت لها يا نعم حلى محلنا ... فإن الهوى يا نعم والعيش جامع

فقالت وعيناها تفيضان عبرة ... بأهلي بين لي متى أنت راجع

فقلت لها تالله يدري مسافر ... إذا أضمرته الأرض ما الله صانع

فشدت على فيها اللثام وأعرضت ... وأمعن بالكحل السحيق المدامع

وإني لعهد الود راع وإنني ... بوصلك ما لم يطوني الموت طامع

فنصيب هذا العصر من النسيب كما رأيت أوفر وأجود مما توهم الأدباء، وهو أصل ينتمي إليه بارع النسيب الإسلامي من قريب.

[لبيد بن ربيعة]

[حياته وشعره]

لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهي قبيلة مضرية، وأمه من بني عبس. كان في الجاهلية شريفاً جواداً شجاعاً شاعراً وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمر طويلاً حتى مات في خلافة معاوية عام ٤١هـ. وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، فلما أسلم لم يقل إلا قليلا.

وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة بدوية صحراوية ولاسيما في معلقته التي مطلعها:

<<  <   >  >>