للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله

وإذ هي مثل الرئم صيد غزالها ... لها نظر ساج إليك تواغله

غنينا وما نخشى التفرق حقبة ... كلانا غرير ناعم العيش باجله

ليالي أقتاد الصبا ويقودني ... يجول بنا ربعانه ونجاوله

ثم يصف خيالها الذي سرى إليه من مكان بعيد ويتعجب لاهتدائه إليه، ثم يقول:

وقد ذهبت سلمى بعقلك كله ... فهل غير صيد أحرزته حبائله

كما أحرزت أسماء مرقش ... بحب كلمع البرق لاحت مخايله

ثم يذكر قصة المرقش مع محبوبته أسماء، ويختمها بقوله:

فوجدي بسلمى مثل وجد مرقش ... بأسماء إذ لا تستفيق عواذله

قضى نحبه وجدا عليها مرقش ... وعلقت من سلمى خبالا أماطله

وبعد، فمعاني طرفة في غزله قليلة بدائية وشتان بينه وبين امرئ القيس في هذا الباب والنقاد يقولون إن طرفة لا يحسن العشق، أليس هو الذي يقول:

وإذا تلسنني ألسنها ... أنني لست بموهون قفر

أي إذا افتخرت عليه افتخر عليها لأنه ليس بضعيف ولا دنيء. وهو الذي يقول:

فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل

وأين هذا من قول امرئ القيس:

أغرك مني أن حبك قائلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل

٤ - الوصف: وهو كثير في شعر طرفة، ويمتاز بغرابة اللفظ وقوة الأسلوب وصدق الوصف وصحة التصوير والرسم، ويبدو فيه أثر بيئته واضحاً، فوصفه للسفينة في معلقته يرجع إلى كثرة ما شاهد من سفن تسير في البحر في البحرين وسواها. ووصف الصحراء كما وصف الناقة والفرس ومجالس الشراب، والغيث والرعد، وسوى ذلك من مشاهد الصحراء ومناظرها، ولاشك أن شعره يتصل بالصحراء اتصالاً وثيقاً لأنه صورة منها ورسم لمناظرها وألوان الحياة والطبيعة فيها، ونماذج وصفة في معلقته فارجع إليها.

٥ - الحكمة: وهي كثيرة في شعر طرفة، عميقة رائعة تدل على صدق النظر وقوة الفراسة وعلى ثقوب الذهن وحدة الفكر، وهي مبكرة في طرفة الشباب، ولعل أسفاره ورحلاته وبيئته وقربه من ألوان الحياة والتفكير في الحيرة قد نمتها فيه رغم صغر سنه، ومعلقته فيها الكثير من الحكم.. ومن حكمه قوله:

والأثم داء ليس يرجى برؤه ... والبر برء ليس فيه معطب

والصدق يألفه اللبيب المرتجى ... والكذب يألفه الدني الأخيب

ويقول:

وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورا ... سوى حيه إلا كآخر هالك

ويقول:

للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدى ساقه قدمه

وسوى ذلك من صادق حكمه وبعيد فراسته وتفكيره للأمور وحكمه عليها.

[شعر طرفة في ميزان النقد]

١ - قال الأصمعي: لم يكن طرفة يحسن أن يتعشق. قال في قصيدته:

أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر

أرق العين خيال لم يقر ... طاف والركب بصحراء بسر

أي زار في مكان لا يزار فيه، فتراه يقول هذا القول، أنه لم ينم ولم يهج من حبها، ثم يقول:

وإذا تلسنني ألسنها ... إنني لست بموهون غمر

٢ - وقال المبرد: عاب الناس قول طرفة:

أسد غيل فإذا ما شربوا ... وهبوا أمون وطمر

فقيل إنما يهبون عند هذه الآفة التي تدخل على عقولهم، وفضلوا قول عنترة:

وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم

وإذا صحوت فأقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي

فخبر عنترة أن جوده باق لأنه لا يبلغ من الشراب ما يثلم عرضه. قالوا: وقول عنترة حسن جميل إلا أنه أتى به في بيتين، هلا قال كما قال امرؤ القيس:

سماحة ذا، وبر ذا، ووفاء ذا ... ونائل ذا، إذا صحا وإذا سكر

قال الصولي: وقد تبغ حسان طرفة، فقال وهو أعيب من الأول:

ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

فقول طرفة خير من هذا، لأنه قال "أسد غيل فإذا ما شربوا" فجعل الشجاعة لهم قبل الشرب، وحساب قال نشرب فنشجع ونهب كأنا ملوك إذا شربنا، فلهذا كان قول طرفة أجود، وقول عنترة أحسن، لأنه احترس من عيب الإعطاء على السكر وأن السكر زائد في سخائه، فقال: "وإذا شربت فإنني مستهلك - البيتين".

وقال زهير:

أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله

<<  <   >  >>