للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى آخر هذه القصيدة الرائعة، التي يصح لنا أن نعدها ملحمة شعرية مصغرة، تنطق بمجد بكر ومفاخرها في الحرب والسلم في الجاهلية.

مختارات من المعلقة:

وأتانا من الحوادث والأن ... باء خطب نعنى به ونساء

أن إخواننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قيلهم إحفاء

يخلطون البريء منا بذي الذن ... ب، ولا ينفع الخلي الخلاء

زعموا أن كل من ضرب العي ... ر موال لنا، وأنا الولاء

أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

من مناد، ومن مجيب، ومن تص ... هال خيل، خلال ذاك رغاء

أيها الناطق المرقش عنا ... عند عمرو، وهل لذاك بقاء

لا تخلنا على غراتك، إنا ... قبل ما قد وشى بنا الأعداء

فبقينا على الشناءة تنمي ... نا حصون، وعزة قعساء

قبل ما اليوم بيضت بعيون ... الناس فيها تعيط وإباء

وكأن المنون تردى بنا أر ... عن جوناً ينجاب عنه العماء

مكفهرا على الحوادث لا تر ... توه للدهر مؤيد صماء

أيما خطة أردتم فأدو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء

إن نبشتم ما بين ملحة فالصا ... قب فيه الأموات والأحياء

أو نقشتم، فالنقش يحشمه النا ... س، وفيه الصلاح والإبراء

أو سكتم عنا، فكنا كمن أغ ... مض عيناً في جفنها أقذاء

[أمية بن أبي الصلت ٥٥٠ - ٦٢٤ م]

- ١ -

[حياة الشاعر]

[نسبه وأسرته]

هو أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف بن أمية الثقفي شاعر ثقيف، وأحد المتلمسين للدين في الجاهلية، ومن أشراف قبيلته ورؤسائها.

أبوه أبو الصلت من سادات ثقيف، وأمه رقية بنت عبد شمس بن مناف. وكان والده شاعراً، وله قصائد يمدح فيها سيف بن ذي يزن ٥٧٩ م ويشيد بالفرس الذين ساعدوه على تحرير اليمن من نير الحبشة واحتلالها، ومنها هذه القصيدة التي نظمت عام ٥٧٣ م، والرسول ابن عامين.

لا يطلب الوتر إلا كابن ذي يزن ... في البحر لجج للاعذام أحوالا

ويروى: خير أي أقام.

ومنها في الفرس:

لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن ترى لهم في الناس أمثالا

بيضا مرازبه غراً جحاجحه ... أسدا تربب في الغيضات أشبالا

لا يرمضون إذا حرت مغافرهم ... ولا ترى منهم في الطعن ميالا

من مثل كسرى وسابور الجنود له ... أو مثل وهرز يوم الحبش إذ صالا

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا

تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وتنسب القصيدة لأمية نفسه لا لأبيه في بعض المصادر.

[بيئته ومولده]

ولد أمية في أواسط القرن السادس الميلادي، ونشأ بالطائف، وهي مصيف أهل مكة ومتنزههم، وروضة خصبة وسط الصحراء القاحلة، وأطيب البلاد العربية هواء وأجملها مناخا وأكثرها بساتين وكروما وزرعا وفاكهة وعيونا وهي في الجنوب الشرقي لمكة وبينهما خمسة وسبعون ميلا. ويقول الشاعر:

تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف

وكانت الفترة التي عاش فيها أمية فترة عجيبة في تاريخ العرب، فالاحتلال الحبشي لليمن قد انتهى وصحبه امتداد نفوذ الفرس على هذه البلاد واختلاط العقليات العربية والفارسية وتجاورها وتبادل التفكير والثقافات الطارئة وقد وعى العرب لهذه الألوان الطريفة من القصص والأساطير والأخبار والعقائد والمحاورات التي هي جزء من ثقافة الفارسي الأصيلة أو المستمدة من ثقافات الهند وعلومها.

أما بيئة الطائف الأدبية فإنها على أي حال لم تصل نهضة الشعر فيها إلى ما وصلت إليه في نجد، كان فيها شعراء وليس شعرهم بالكثير، والسبب في ذلك كما يرى ابن سلام هو قلة الحروب والخصومات بين أهل الطائف، وأنه إنما يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء، وهذا هو السبب أيضاً في قلة شعر قريش وأهل عمان، ولم ينبع في الطائف سوى أبي الصلت، وابنه أمية وهو أشعرهم، وغيلان بن سلمة وكنانة بن عبد يا ليل.

[نشأته وحياته]

نشأ أمية في هذه البيئة، وشب شاعراً يرث من أبيه مواهب الشعر وملكاته، وأخذ يمارس التجارة وظل يمارسها طول عمره، فتارة إلى الشام وتارة إلى اليمن.

<<  <   >  >>