للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلاج العشق، قال في "الفوائد": لا شيء أنفع للعاشق من وصال المعشوق، وإن لم يتّفق بالوجه الشرعي، فتسليط العجائز على العاشق حتى تُكرِّهه المعشوق بإظهار بعض العيوب. وإن كان من أهل الكمال فتنفعه النصيحة والاستهافة، وإلا بتصوير صورة المحبوب، وإلا فبالاشتغال بالعلوم العقلية والمحاكاة، وكثرة الجماع واللعب، وإلا فبسفر طويل، وقال في الأسباب: الجماع لغير المعشوق ينقص العشق. وقال في الكامل: ينفع العاشق الرياضة المعتدلة والنظر إلى البساتين والمزارع والأزهار، ويهيج العاشق المخاصمة والمنازعة، وذكر بعضهم: أن عظم اللقلق إذا علق على العاشق سلى عن محبوبه، وكذلك أربع شعيران نيل محلول بالماء إذا شربه العاشق سلي. وفي ذكر العشاق المشهورين في الآفاق ما حكى، أن الملك العزيز الأيوبي كان في أيام أبيه السلطان صلاح الدين يوسف يهوى جارية فبلغ أباه ذلك. فمنعه عن صحبتها، فحزن ولم يقدر على الاجتماع بها، فأرسلت له الجارية مع خادم لها كرة عنبر، فكسرها فوجد فيها زراً من الذهب فلم يفطن لذلك فحدث به القاضي الفاضل، فأنشد القاضي:

أهدت لك العنبر في وسطه ... زرٌّ من التبر رقيقُ اللحام

فالزرُّ بالعنبرِ تفسيرهُ ... زر هكذا مستتراً في الظلامِ

ففهم الملك العزيز المراد واجتمع بها في الليل، وحكى الجاحظ أن محمد بن حميد الطوسي كان جالساً مع ندمائه وقد أخذ الشراب برؤوسهم إذ غنت جارية له من وراء الستارة هذين البيتين شعراً:

يا قمرَ القصرِ متى تطلعُ ... أشقى وغيركَ يستمتعُ

إن كان ربّي قضى كل ذا ... منك على رأسي فماذا أصنعُ

وكان على رأس محمد غلام أحسن ما يكون، وبيده قدح فوضعه، وقال: تصنعين مثل ذا، وألقى بنفسه من الدار إلى دجلة، فلما رأت الجارية ذلك هتكت الستارة وألقت بنفسها على إثره فغرقا جميعاً فحزن لذلك محمد، وقطع الشراب شهراً كاملاً.

وذكر في كتاب "ديوان الصبابة" أن رجلاً من بني عذرة عشق جارية فراسلها، وأظهرت له الجفاء فوقع مضنى، وظهر أمره فلم تزل النساء يكلمن الجارية حتى جاءت تعوده فلما دخلت عليه ونظر إليها بكى، وأنشد يقول شعر:

أريتك إن مرّت عليكِ جنازتي ... تلوحُ بها أيدٍ طوالٍ وشرّعِ

أما تتبعين النّعشَ حتى تسلمي ... على رمم ميّت بالحفيرة مودعِ

فبكت الجارية رحمة له، وقالت: ما ظننت الأمر يبلغ بك إلى هذا، فوالله لأواصلك متى عوفيت فهملت عيناه بالدمع. وأنشد:

دنت وحياض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصلِ لا ينقطع الوصلُ

وشهق ومات فوقعت عليه الجارية تبكي، وأغشي عليها، وما مكثت بعده إلا أياماً قلائل، وماتت.

وحكى أحمد بن الفضل: أن غلاماً وجارية كانا في كتاب فعشق الغلام الجارية، ولم يزل يتلطف بمعلمه حتى قربه إليها، فكتب الغلام في لوح الجارية هذا البيت. مفرد:

ماذا تقولينَ فيمنْ شفّه سقم ... منْ طولِ حبّك حتّى صارَ حيرانا

فقرأته الجارية وذرّفت عيناها بالدموع رحمة له، وكتبت تحته: مفرد:

إذا رأينا محبّاً قدْ أضرَّ به ... طولُ الصبابةِ أوليناهُ إحسانا

فقدم المعلّم، وسمع ذلك، فأخذ اللوح وكتب فيه هذين [البيتين: شعر] .

صلي العريفَ ولا تخشينَ منْ أحدٍ ... إن العريفَ صغيرُ السنِ ولهانا

أمّا الفقيهُ فما يسطوا إذاً أبداً ... لأنّه قدْ بُلي بالعشقِ ألوانا

وحكي: أنّ بعض الأدباء كان يعشق جارية فقالت له: أنت صحيح الحبّ كامل الوفاء؟ فقال: نعم. قالت: فامض بنا حيث شئت. فلمّا حصلت في منزله لم يكن له همّة، إلاّ أن رفع ساقيها، وجعل يجامعها بجميع جواره، فقالت له، وهي في القالب، وأنشدت، مفرد:

أسرفتَ في.. و.... مصلحة ... أرفق بصبّك إنّ الرِّفق محمود

فأجابها وهو في عمله لا يفترّ عنه. مفرد:

ولمْ ... منْ تبقى مودّته ... لكن ... هذا فيك مجهود

فنفرت من تحته، وقالت: أراك يا فاسق على خلاف العادة كأنك جماعي سببا لذهاب حبّك، والله ما جمعني وإياك بعد هذا سقف. انتهى.

[١٢]

قطام

<<  <   >  >>