للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وماتت رحمة في حياة أيوب عليه السلام وقيل: عشت بعده قليلاً، وماتت ودفنت بأرض الشام. والله أعلم.

[٩]

حنة بنت فاقوذا

وهي زوجة عمران، وأخت زوجة زكريا عليه السلام وأم مريم عليها السلام تزوجها عمران، ولم تحمل منه وأسنت، ولم يكن لها ولد فأبصرت يوماً طائراً يطعم أفراخه، فتحركت لذلك نفسها، واشتاقت للولد، وتمنت أن يكون لها ولد حتى تحن عليه مثل هذا الطائر، فهنالك دعت إلى الله تعالى أن يهب لها ولداً، وقالت: اللهم لك علي بأن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس. فواقعها زوجها عمران، فحملت مريم ولفتها في خرقة من يومها، وحملتها إلى المسجد الأقصى، ووضعتها عند الأحبار، من أبناء هارون عليه السلام وقالت لهم: دونكم وهذه النذيرة. وذلك قوله تعالى: (فلمَّا وضعتها قالتْ ربِّ إنِّي وضعتها أنثى..) الآي، فتنافس فيها الأحبار، وكان عمران قد مات قبل الولادة، فطلبها زكريا ليأخذها وقال: أنا أحق بها لأن خالتها عندي. فتقارعوا عليها فوقعت القرعة لزكريا عليه السلام قيل: إنها لم تلقم ثديا منذ ولدت، وقيل: إن أمها كانت ترضعها. وذكر في كتاب "تأريخ ابن الوردي": أن حنة أم مريم عليها السلام، وهي أخت إيشاع زوجة زكريا عليه السلام وذكر مثل ما سبق ذكره من دعاء حنة، وطلبها الولد بعد ما كبرت، وقيل: إن عمرها لما ولدت مريم كان ستين سنة، وقيل: إنها توفيت وقد بلغت مريم من العمر عشر سنين. والله أعلم.

[١٠]

مريم عليها السلام

بنت عمران بن آذن بن ماثين بن فيلقوس بن آسابن ياهوثا بن إينا بن رجعيم ابن سليمان عليه السلام بن داود عليه السلام بن اثيا بن سلمون بن عدن بن جابر ابن عسوار بن عمران بن دارم بن عمر قاص بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام ابن اسحاق عليه السلام بن إبراهيم الخليل عليه السلام. وأمها حنة، وقد سبق الذكر في كيفية حملها، في ترجمة أمها. ومات أبوها عمران وأمها حامل بها، ولما وضعتها، و ( ... قالتْ ربِّ إنِّي وضعتها أنثى ... ) لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد وسمتها مريم.

قال في "المعالم": ومعنى مريم: العابدة والخادمة بلغتهم، وكانت مريم من أجمل النساء في وقتها، قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما منْ بني آدمَ [من] مولودٍ لا يمسُّه الشَّيطانُ حين يولدُ فيستهلُّ [الصبي] صارخاً منْ مسِّ الشيطانِ غيرِ مريم وابنها". ولما دخلت بها على الأحبار من أولاد هارون قالت: لهم دونكم وهذه المندورة. فتنافس فيها الأحبار، لأنها كانت بنت إمامهم، وصاحب قربانهم وقد مات قبل ولادتها، فقال لهم زكريا عليه السلام: أنا أحق بها لان عندي خالتها. فلم ترض الأحبار. فتقارعوا عليها، فوقعت لزكريا، فتكلفها وذلك قوله تعالى: ( ... وكفَّلها زكريَّا ... ) وضمها إلى خالتها حتى إذا بلعت مبلغ النساء بنى لها زكريا محراباً في المسجد وجعل بابها في الوسط [لا] يرقى إليها [إلا] بسلم، وكان لا يدخل عليها غيره، يأتيها بشرابها وطعامها ودهنها كل يوم، وإذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب. قال [أبو] الحسن: منذ ولدت مريم لم تلقم ثدياً قط، بل كان يأتيها رزقها من الجنة، فيقول لها زكريا ( ... أنَّى لكِ هذا) معناه من أين لك هذا؟ قالت: ( ... هوَ منْ عندِ اللهِ ... ) تكلمت وهي صغيرة.

وذكر في "المصابيح" عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كملَ منَ الرِّجالِ كثيرٌ، ولمْ يكملْ منَ النِّساءِ إلا مريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ امرأةُ فرعونَ وفضلُ عائشةُ على النساءِ كفضلِ الثَّريدِ على [سائرِ] الطَّعامِ".

وذكر في كتاب "كشف الأسرار": إنما سميت مريم من قولهم رمت غي طلبت ويقال: مرت في الطاعة كمرور الحوت في اليم، وسماها الله مريم باسمها سبع مرات في القرآن العظيم ولم يسم من النساء غيرها. وخاطبها فقال: (يا مريمُ ... ) ، كما خاطب الأنبياءَ، وقال: (واذكرْ في الكتابِ مريمَ ... ) كما قال لإبراهيم وغيره من الأنبياء. وقال: ( ... يا مريمُ إنَّ اللهَ اصطفاكِ وطهَّركِ ... ) .

<<  <   >  >>