للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المقالة الأولى في ذكر النساء الصالحات]

[١]

حواء أم البشر

سميت حواء لأنها لقت ن شيء حي، ولما خلقها الله تعالى: كان في الطالع السرطان، وذكر في "المعالم" قوله تعالى: ( ... يا آدمُ اسكنْ أنتَ وزوجكَ الجنَّةَ ... (الآية، وذلك أن آدم عليه السلام لم يكن له في الجنة من يؤنسه ويجالسه، فنام، فخلق الله حواء زوجته فصيرها من شقه الأيسر، خلقها الله من غير أن أحس بها آدم عليه السلام ولا وجد ألما، ولو وجد ألماً لما عطف الرجل على امرأة، فلما استيقظ رآها جالسة عند رأسه كأحسن ما خلق الله، فقال لها: من أنت؟ قالت: زوجتك، خلقني الله لك؛ لكي تسكن إلي وأسكن إليك.

قيل: إن آدم عليه السلام لما واقعها قالت: يا آدم زدنا منه، ما أطيبه. وذكر صاحب: "البستان" أن كل شهوة يعطيها الرجل نفسه، فإنها تسقي قلبه إلا الجماع، فإنه يصفي القلب، ولهذا كان يفعله الأنبياء عليهم السلام وفي الجماع منافع وضرر، فأما منافعه: فإن الرجل إن كان به هم فإنه [بالجماع] يقل [عنه] ذلك، ولو كان قلبه متعلقاً بحرام يزول عنه، ويزول الوسواس، ويسكن الغضب، وينفع من بعض القروح في النفس إذا كانت طبيعته الحرارة.

وقال في "الفؤاد": منافع الجماع المعتدل: خفة البدن، والنوم وانتعاش الحرارة الغريزية، ويزيل الفكر الردي، وينفع أكثر الأمراض السوداوية والبلغمية، وربما يقع تارك الجماع في الأمراض مثل: الدوار، وظلمة البصر وثقل البدن، وإذا عاد إليه المرء برئ، وأما مضرته، فإنه يضعف البدن والبصر، ويحدث ويحدث منه وجع الساقين والرأس والظهر، والاستقلال منه انفع.

وقال في "في المعالم": لما أراد إبليس لعنه الله ليوسوس لآدم وحواء، عزم على الدخول إلى الجنة، فمنعته الخزنة، فأتى إلى الحية، وكان لها أربع قوائم، وهي من خزان الجنة، فسألها ان تدخله الجنة، فأدخلته في فمها، فلما دخل وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعرفانه إبليس، فبكى وناح، فأحزنهما، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان هذه النعمة، فاغتما ومضى إبليس، ثم أتاهما، فقال قوله تعالى: ( ... يا آدمُ هلْ أدلُّك على شجرةِ الخلدِ وملكٍ لا يبلى (فدله على أكل شجرة الحنطة، فأبى آدم، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة، ثم ناولت آدم، فأكل منها، قوله تعالى: ( ... فبدت لهما سوءاتهما ... (.

وقيل: إن حواء سقته الخمر أولاً، حتى أكل آدم.

قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهم: إن الله تعالى قال: يا آدم ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب زينته لي حواء. قال: فإني أعقبتها أن [لا] تحمل إلا كرهاً [ولا تضع إلا كرهاً] وأدميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك، فقيل: عليك الرنة، وعلى بناتك، واهبطا إلى الأرض، فأهبط [آدم] بسرنديب من أرض الهند، وأهبطت حواء بجدة، وأهبط إبليس بالأبلة والحية بأصفهان، فبكى آدم وحواء على ما فاتهما مائتي سنة، ولم يأكلا ويشربا أربعين يوماً، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة.

قيل: إن هبوطها تاسع ساعة من يوم الجمعة، واجتمع آدم بحواء بعد انقضاء مائة سنة، اجتمعا في عرفة، وإنما سمي جبل عرفة، لأن آدم عرف به حواء. ولما هبطا إلى الأرض كان لهما ولدان: هابيل وقابيل وتوءماتهما، وسلب آدم وحواء كل ما كانا فيه من النعمة والكرامة، وكانت توءمة قابيل، أجمل من توءمة هابيل، فأراد آدم أن يزوج هابيل بتوءمة قابيل، وتوءمة هابيل بقابيل، فلم يطب ذلك لقابيل، فأخذ توءمته وقتل أخاه هابيل وهرب قابيل، وقصتهما مشهورة، فحزن آدم وحواء على هابيل وبكيا عليه أربعين يوماً، فأوحى الله إلى آدم أن اكفف عن بكائك، فإني قد وهبت لكما غلاماً مثله، يكون أبا الأنبياء، فاجتمع آدم بحواء، فحملت بشيث عليه السلام وحده م غير توءم، فلما ولدته كان كأنه هابيل، وذلك سنة مائة وثلاثين من هبوطهما.

<<  <   >  >>