للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إسلام عمر رضي الله عنه فكانت أخيه قد أسلمت هي وزوجها وهم مستخفون، وكان نعيم بن عبد الله النجار، أسلم، وكان خباب بن الأرت أسلم ويقرئ أم جميل القرآن خفية، فخرج عمر، متقلداً بسيفه، يريد أن يقتل رسول الله وأصحابه، وقد علم أنه في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين رجلاً وامرأة مع النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة رضي الله عنه وعلي وأبي بكر، فلقي نعيم عمر رضي الله عنه وقال له: أين تريد؟ فقال أريد محمداً! هذا الصابئ الّذي فرق أمر قريش فأقتله. فقال له نعيم والّله لقد غرّتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً! أفلا ترجع إلى ترجع أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال عمر: من هم؟ قال: أختك وزوجها سعيد، فقد أسلما. فرجع عمر إليهما وعندها خباب في مخدع فاختفى لما رأى عمر، وأخذت الصحيفة أخته فجعلتها تحت فخذها. ودنا عمر رضي الله عنه فلما دخل قال: ما هذه الهينمة؟ قد تابعتما محمداً؟ وضرب سعيداً، رضي الله عنه فقامت أخيه فاطمة لتكفه، فضربها فشجها، فقالت له أخيه: نعم أسلمنا وآمنا فاصنع ما بدا لك! فلما رأى عمر رضي الله عنه ما بأخته من الدين ارتعد، وقال لها: أعطني الصحيفة أنظر فيها! فقالت: إنك نجس، وأنه لا يمسها إلا طاهر. ولم يزل بها حتى أخذ الصحيفة، وكان يقرأ ويكتب، فوجد فيها (سورة طه) فلما قرأها، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه وقال: يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب". فقال عمر: فدلني على محمد. فقال: هو في بيت عند الصفا. فسار عمر متقلداً بسيفه، فلما قرب ضرب الباب فلما سمعوا صوته، خرج رجل من الصحابة فرأى عمر متوشحاً بسيفه، فقال حمزة رضي الله عنه: ائذن له، فإن جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن أراد شراً قتلته بسيفه. فقال صلى الله عليه وسلم ائذن له. فأذن له الرجل، فدخل وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله. وأسلم وتفرق أصحاب النبي من مكانهم فرحين مستبشرين بإسلام حمزة وعمر رضي الله تعالى عنهما.

[٨٢]

عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيدِ بْنِ عَمْرو

من المهاجرات، تزوجها عبد الله بن الصديق، رضي الله عنه وكانت جميلة فغلبت على عقله وشغلته عن الجهاد فأمره أبو بطلاقها، فأنشد:

يقُولُونَ: طَلَّقهَا وخيّم مكانَهَا ... مُقيمٌ عليكَ الهمُّ أحلامُ نائمِ

وأنَّ فراقِي أَهلَ بيتٍ جمعتُهُمْ ... على كبرٍ منَّي لإِحدَى العَظَائِمٍ

أَرَانِي وَأَهْلِي كَالعُجُولِ تَزَوَّجت ... إلَى بَرَّهَا قبلَ العَشَارِ الروائِمِ

ثم طلقها، فدخل عليه أبوه وهو ينشد ويقول:

أَعَاتِكَ لاَ أَنْساكِ مَا دَّر شَارِق ... وَمَا نَاحَ قمريّ الحَمَام المُطَوّق

أَعَاتِكَ قَلْبِي كُلَّ يَومٍ وَلَيْلَةٍ ... عَلَيْكِ بما تُخْفي الُّنفُوسُ مُعَلّقُ

وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَوْم مثْلَهَا ... وَلاَ مثْلَهَا فيِ غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ

لَهَا كَلَفٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ وَمَنْصِبٌ ... وَخُلْقٌ سَوِيّ فِي الحَيَاءِ وَمَصْدَقُ

فرق له أبوه وأمره فراجعها وأنشد يقول:

أَعَاِتِكَ قَدْ طُلَّقْتِ في غَيْر رَيْبَةٍ ... وَروُجِعتِ للأمرِ الّذِي هُو كَائِنُ

كَذَلِكَ أمَرُ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ ... عَلَى النَّاسِ فيهِ أُلْفةٌ وَتَباُيُنُ

وَمَا زَالَ قَلْبِي للَّتفَُّرقِ طَائِراً ... عَلَى النَّاسِ فِيِه أُلْفَةٌ وتبايُنُ

لَيهنك إنَّي لاَ أرَى فيكِ سخطةً ... وإنَّكِ قَدْ تَمَّتْ عَلَيْكِ المحاسِنُ

وَإِنَّكِ ممّن زَيَّن اللَّهُ وَجْهَهُ ... وَلَيْسَ لوَجْهٍ زَانَةُ اللَّهُ شَائِنُ

ثم شهد عبد الله الطائف فأصيب بسهمٍ ومات بالمدينة فقالت عاتكة ترثيه:

رُزِيتُ بخَيرِ النَّاسِ بعدَ نَبِيهَّم ... وبعدَ أبي بكْر وما كَانَ قَصَّراَ

فيا ليتَ لاَ تنفكُّ عيني حزينة ... عليْكَ وَلَا ينفكُّ جلدي أغبرا

فللَّه عَيْنَا مَنْ رأى مثلَهُ فتى ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا

<<  <   >  >>