للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حُمِلُوا عَلَى الْكَذِبِ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَإِنْ صَدَقُوا حَصَلَ الْعِلْمُ، فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ حَمَلَهُمْ الْخَلِيفَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ مَحْسُوسٍ شَاهَدُوهُ أَوْ شَهَادَةٍ كَتَمُوهَا فَأَخْبَرُوا حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُتَصَوَّرُ عَدَدٌ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ اخْتِيَارٍ وَلَا يَحْصُلُ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ إكْرَاهٍ؟ قُلْنَا أَجَابَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْقَرَائِنِ مَدْخَلًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُحَالٍ عِنْدَنَا، فَإِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ النَّفْسَ تَشْعُرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَامِعٌ ثُمَّ تُصَدِّقُ، فَإِذَا ظَهَرَ كَوْنُ السَّيْفِ جَامِعًا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْعِلْمُ.

الْخَامِسُ: شَرَطَ الرَّوَافِضُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ فِي جُمْلَةِ الْمُخْبِرِينَ وَهَذَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى إخْبَارِ غَيْرِهِ؟ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِنَقْلِهِمْ عَلَى التَّوَاتُرِ النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ لَيْسَ فِيهِمْ مَعْصُومٌ، وَأَنْ لَا تَلْزَمَ حُجَّةُ الْإِمَامِ إلَّا عَلَى مَنْ شَاهَدَهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ دُونَ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَأَنْ لَا تَقُومَ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ أُمَرَائِهِ وَدُعَاتِهِ وَرُسُلِهِ وَقُضَاتِهِ؛ إذْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ، وَأَنْ لَا يُعْلَمَ مَوْتُ أَمِيرٍ وَقَتْلُهُ وَوُقُوعُ فِتْنَةٍ وَقِتَالٌ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى هَذَيَانِهِمْ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَقْسِيمِ الْخَبَرِ]

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ]

الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي تَقْسِيمِ الْخَبَرِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ إلَى مَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَإِلَى مَا يَجِبُ تَكْذِيبُهُ وَإِلَى مَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ.

وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ:

مَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ، وَهِيَ سَبْعَةٌ:

الْأَوَّلُ: مَا أَخْبَرَ عَنْهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ ضَرُورَةً وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ آخَرُ، فَلَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ إلَّا الْمُتَوَاتِرُ وَمَا عَدَاهُ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِوَى نَفْسِ الْخَبَرِ.

الثَّانِي: مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ صِدْقٌ بِدَلِيلِ اسْتِحَالَةِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلَانِ:

أَقْوَاهُمَا: إخْبَارُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ امْتِنَاعِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَحِيلُ التَّكَذُّبُ فِي كَلَامِ النَّفْسِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ؛ إذْ الْخَبَرُ يَقُومُ بِالنَّفْسِ عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ.

الثَّالِثُ: خَبَرُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدَلِيلُ صِدْقِهِ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ مَعَ اسْتِحَالَةِ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى أَيْدِي الْكَاذِبِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَعَجَزَ الْبَارِي عَنْ تَصْدِيقِهِ رُسُلَهُ وَالْعَجْزُ عَلَيْهِ مُحَالٌ.

الرَّابِعُ: مَا أَخْبَرَ عَنْهُ الْأُمَّةُ إذْ ثَبَتَ عِصْمَتُهَا بِقَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَعْصُومِ عَنْ الْكَذِبِ، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ شَخْصٍ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ.

الْخَامِسُ: كُلُّ خَبَرٍ يُوَافِقُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْأُمَّةُ

<<  <   >  >>