للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ يَجِبُ عِقَابًا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَتْلِ الصَّيْدِ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْمُخْطِئِ بِالْقَتْلِ امْتِحَانًا فَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: يَنْتَفِي بِهِ كُلُّ ضَمَانٍ هُوَ بِطَرِيقِ الْعِقَابِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذَةٌ وَانْتِقَامٌ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَالِامْتِحَانِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَمُجْمَلٌ مُتَرَدِّدٌ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ وَرَدَ فِي مَوْضِعٍ لَا عُرْفَ فِيهِ يُدْرَكُ بِهِ خُصُوصُ مَعْنَاهُ فَهَلْ يُجْعَلُ نَفْيًا لِأَثَرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَ الْعُمُومِ أَوْ يُجْعَلَ مُجْمَلًا؟ قُلْنَا: هُوَ مُجْمَلٌ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْأَثَرِ مُطْلَقًا وَنَفْيَ آحَادِ الْآثَارِ وَيَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَمِيعُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ.

وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ ظَاهِرٌ، أَمَّا مَنْ يَقُولُ بِهَا فَيَتَّبِعُ فِيهِ الصِّيغَةَ وَلَا صِيغَةَ لِلْمُضْمَرَاتِ، وَهَذَا قَدْ أُضْمِرَ فِيهِ الْأَثَرُ فَعَلَى مَاذَا يُعَوَّلُ فِي التَّعْمِيمِ؟ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ نَفْيٌ فَيَقْتَضِي وَضْعُهُ نَفْيَ الْأَثَرِ وَالْمُؤَثِّرِ جَمِيعًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ نَفْيُ الْمُؤَثِّرِ بِقَرِينَةِ الْحِسِّ فَالتَّعَذُّرُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْأَثَرُ مَنْفِيًّا. قُلْنَا: لَيْسَ قَوْلُهُ:: " لَا صِيَامَ وَلَا عَمَلَ وَلَا خَطَأَ وَلَا نِسْيَانَ " أَوْ «رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» عَامًّا فِي نَفْيِ الْمُؤَثِّرِ وَالْأَثَرِ حَتَّى إذَا تَعَذَّرَ فِي الْمُؤَثِّرِ بَقِيَ فِي الْأَثَرِ، بَلْ هُوَ لِنَفْيِ الْمُؤَثِّرِ فَقَطْ. وَالْأَثَرُ يَنْتَفِي ضَرُورَةً بِانْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ لَا بِحُكْمِ عُمُومِ اللَّفْظِ وَشُمُولِهِ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ صَارَ مَجَازًا إمَّا عَنْ جَمِيعِ الْآثَارِ أَوْ عَنْ بَعْضِ الْآثَارِ، وَلَا تَتَرَجَّحُ الْجُمْلَةُ عَلَى الْبَعْضِ وَلَا أَحَدُ الْأَبْعَاضِ عَلَى غَيْرِهِ.

[مَسْأَلَة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ]

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ»

وَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» وَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» . فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ لِمَا لَيْسَ مَنْفِيًّا بِصُورَتِهِ، فَإِنَّ صُورَةَ النِّكَاحِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مَوْجُودَةٌ كَالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ نَفْيِ الصُّورَةِ وَالْحُكْمِ. وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ، بَلْ فَسَادُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ لَيْسَ اسْمًا شَرْعِيًّا، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْوُضُوءُ وَالنِّكَاحُ أَلْفَاظٌ تَصَرَّفَ الشَّرْعُ فِيهَا فَهِيَ شَرْعِيَّةٌ، وَعُرْفُ الشَّرْعِ فِي تَنْزِيلِ الْأَسَامِي الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَقَاصِدِهِ كَعُرْفِ اللُّغَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَجْهَ تَصَرُّفِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يُشَكُّ فِي أَنَّ الشَّرْعَ لَيْسَ يَقْصِدُ بِكَلَامِهِ نَفْيَ الصُّورَةِ فَيَكُونُ خُلْفًا بَلْ يُرِيدُ نَفْيَ الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ، فَعُرْفُ الشَّرْعِ يُزِيلُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِنَفْيِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْتَمَلُ نَفْيُ الصِّحَّةِ وَنَفْيُ الْكَمَالِ أَيْ: لَا صَلَاةَ كَامِلَةً وَلَا صَوْمَ فَاضِلًا وَلَا نِكَاحَ مُؤَكَّدًا ثَابِتًا، فَهَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا ذَهَبَ الْقَاضِي إلَى أَنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ نَفْيِ الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ الصِّحَّةِ أَوْ الْكَمَالِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ مُحْتَمَلٌ لِنَفْيِ الْكَمَالِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالصَّوْمَ صَارَا عِبَارَةً عَنْ الشَّرْعِيِّ، وَقَوْلُهُ: " لَا صِيَامَ " صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الصَّوْمِ، وَمَهْمَا حَصَلَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاضِلًا كَامِلًا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّفْيِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ» مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: " لَا صَلَاةَ أَوْ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ؟ قُلْنَا: الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ لَيْسَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَيْسَ لِلشَّرْعِ فِيهِ

<<  <   >  >>