للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الْبَاب الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ عَمَّا لَا يُمْكِنُ وَفِيهِ مَسَائِل]

[مَسْأَلَةٌ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِعُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ]

الْبَاب الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ عَمَّا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ مَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ عَمَّا لَا يُمْكِنُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

مَسْأَلَةٌ: إنَّمَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِعُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ؛

أَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي جَوَابِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ أَتَى بِلَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ كَانَ عَامًّا، كَمَا سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَكَمَا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ السَّائِلِ عَامًّا فَلَا يَثْبُتُ الْعُمُومُ لِلْجَوَابِ، كَمَا لَوْ قَالَ السَّائِلُ: تَوَضَّأْتُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: يُجْزِيكَ، أَوْ قَالَ: وَطِئْتُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً؛ فَهَذَا لَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُت الْحُكْمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِدَلِيلٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنْ قِيَاسٍ إذَا وَرَدَ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ أَوْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَالُ غَيْرِهِ مِثْلَ حَالِهِ فِي كُلِّ وَصْفٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ حَتَّى لَا يَفْتَرِقَا إلَّا فِي الشَّخْصِ، وَالْأَحْوَالِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّفْرِقَةِ مِنْ الطُّولِ، وَاللَّوْنِ، وَأَمْثَالِهِ، وَالذُّكُورَةُ، وَالْأُنُوثَةُ كَالطُّولِ، وَاللَّوْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْعِتْقِ؛ وَلِذَلِكَ قُلْنَا حُكْمُهُ فِي الْعَبْدِ بِالسِّرَايَةِ حُكْمٌ فِي الْأَمَةِ، وَفِي بَابِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ تَرْكُ الِالْتِفَاتِ إلَى الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ فِي الْعِتْقِ، وَالرِّقِّ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِي النِّكَاحِ، وَلِذَلِكَ نَقُولُ: رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَهَمَّ بِأَنْ يَتَخَلَّفَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ، وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ وَاقْتَدَى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ» - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَلَّى النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

، وَفِيهِ اقْتِدَاءُ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ وَاقْتِدَاءُ النَّاسِ بِالْمُقْتَدِي بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْنَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ مُسْتَبْعَدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِمَامَةِ وَلِلنُّبُوَّةِ فِيهَا تَأْثِيرٌ، وَهَذَا فِعْلٌ خَاصٌّ لَا عُمُومَ لَهُ، وَدَعْوَى الْإِلْحَاقِ تَحَكُّمٌ مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ، وَلَا عُمُومَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، بَلْ قَوْلُهُ: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «الْبَسْ الْحَرِيرَ» وَلِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ «بِجَذَعَةٍ مِنْ الضَّأْنِ: تُجْزِيك» ، وَإِذْنُهُ لِلْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَقَوْلُهُ: لِعُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» لَا عُمُومَ لِشَيْءٍ مِنْهُ فَيَفْتَقِرُ تَعْمِيمُهُ إلَى دَلِيلٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمَّا مَا نُقِلَ مِنْ اقْتِدَاءِ النَّاسِ بِأَبِي بَكْرٍ مَعَ اقْتِدَائِهِ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُقْتَدَى الْكُلِّ كَانَ بِالنَّبِيِّ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ سَفِيرًا بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرَاتِ.

أَمَّا إذَا كَانَ لَفْظُ السَّائِلِ عَامًّا نَزَلَ مَنْزِلَةَ عُمُومِ لَفْظِ الشَّارِعِ كَمَا لَوْ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَعْتَقَ رَقَبَةً لِأَنَّهُ يُجِيبُ عَنْ السُّؤَالِ فَلَا يَكُونُ الْجَوَابُ إلَّا مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُ فَأَمَّا أَخَصَّ مِنْهُ فَلَا. أَمَّا لَوْ قَالَ السَّائِلُ: أَفْطَرَ زَيْدٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ: عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ قَالَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» فَهَذَا لَا عُمُومَ لَهُ، فَلَعَلَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ الْعِتْقَ، وَالْمُرَاجَعَةُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَلَا نَعْرِفُ مَا تِلْكَ الْحَالُ، وَمَنْ الَّذِي يُسَاوِيهِ فِيهَا، وَلَا يُدْرَى أَنَّهُ أَفْطَرَ عَمْدًا، وَسَهْوًا أَوْ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ فَإِنْ قِيلَ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ تَعَارُضِ الْأَحْوَالِ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ، وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ تَحَقَّقَ

<<  <   >  >>