للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَيُّ بَلَاءٍ فِي الْمَنَامِ وَأَيُّ مَعْنًى لِلْفِدَاءِ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالْعَزْمِ اخْتِبَارًا، فَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّ عَلَّامَ الْغُيُوبِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاخْتِبَارِ وَلِأَنَّ الِاخْتِبَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيجَابٌ لَمْ يَحْصُلْ اخْتِبَارٌ.

وَقَوْلُهُمْ الْعَزْمُ هُوَ الْوَاجِبُ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْمَعْزُومِ، وَلَا يَجِبُ الْعَزْمُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْزُومُ عَلَيْهِ وَاجِبًا لَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَقَّ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَقَالَ لَهُ وَلَدُهُ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ يَعْنِي الذَّبْحَ؟ وقَوْله تَعَالَى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: ١٠٣] اسْتِسْلَامٌ لِفِعْلِ الذَّبْحِ لَا لِلْعَزْمِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْإِضْجَاعَ بِمُجَرَّدِهِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ؛ فَهُوَ مُحَالٌ إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ ذَبْحًا وَلَا هُوَ بَلَاءً وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفِدَاءِ بَعْدَ الِامْتِثَالِ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ إنْكَارُ النَّسْخِ وَأَنَّهُ امْتِثَالٌ لَكِنْ انْقَلَبَ عُنُقُهُ حَدِيدًا فَفَاتَ التَّمَكُّنُ فَانْقَطَعَ التَّكْلِيفُ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَشْرُوطِ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ، بَلْ إذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْلَبُ عُنُقُهُ حَدِيدًا فَلَا يَكُونُ آمِرًا بِمَا يَعْلَمُ امْتِنَاعَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفِدَاءِ فَلَا يَكُونُ بَلَاءً فِي حَقِّهِ.

وَأَمَّا الْخَامِسُ، وَهُوَ أَنَّهُ فَعَلَ وَالْتَأَمَ، فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ كَيْفَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الِالْتِئَامِ؟ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَاشْتَهَرَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الظَّاهِرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ قَطُّ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِرَاعٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] . قُلْنَا: مَعْنَاهُ أَنَّكَ عَمِلْتَ فِي مُقَدِّمَاتِهِ عَمَلَ مُصَدِّقٍ بِالرُّؤْيَا، وَالتَّصْدِيقُ غَيْرُ التَّحْقِيقِ وَالْعَمَلِ.

[مَسْأَلَةٌ نُسِخَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا أَوْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهَا]

مَسْأَلَةٌ: إذَا نُسِخَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا أَوْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهَا إذَا نُسِخَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا أَوْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهَا

كَمَا لَوْ أُسْقِطَتْ رَكْعَتَانِ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُسْقِطَ شَرْطُ الطَّهَارَةِ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: هُوَ نَسْخٌ لِأَصْلِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ قَائِلُونَ نَسْخُ الشَّرْطِ لَيْسَ نَسْخًا لِلْأَصْلِ أَمَّا نَسْخُ الْبَعْضِ فَهُوَ نَسْخٌ لِلْأَصْلِ وَلَمْ يَسْمَحُوا بِتَسْمِيَةِ الشَّرْطِ بَعْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ.

وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عِنْدَنَا أَنْ نَقُولَ: إذَا أَوْجَبَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ نَسَخَ أَصْلَ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْخِ الرَّفْعُ وَالتَّبْدِيلُ، وَلَقَدْ كَانَ حُكْمُ الْأَرْبَعِ الْوُجُوبَ فَنُسِخَ وُجُوبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَالرَّكْعَتَانِ عِبَادَةٌ أُخْرَى لَا أَنَّهَا بَعْضٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَعْضًا لَكَانَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا فَقَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزِيَادَةٍ، كَمَا لَوْ صَلَّى بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا رَدَّ الْأَرْبَعَ إلَى رَكْعَةٍ فَقَدْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ حُكْمُهَا أَنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَالْآنَ صَارَتْ مُجْزِئَةً، فَهَلْ هَذَا نَسْخٌ آخَرُ مَعَ نَسْخِ الْأَرْبَعِ؟ قُلْنَا: كَوْنُ الرَّكْعَةِ غَيْرَ مُجْزِئَةٍ مَعْنَاهُ أَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا، وَهَذَا حُكْمٌ أَصْلِيٌّ عَقْلِيٌّ لَيْسَ مِنْ الشَّرْعِ.

وَالنَّسْخُ هُوَ رَفْعُ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ بِلَفْظِ النَّسْخِ إلَّا الرَّفْعُ كَيْفَ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَرْفُوعِ فَهَذَا نَسْخٌ، لَكِنَّا بَيَّنَّا فِي حَدِّ النَّسْخِ خِلَافَهُ، وَأَمَّا إذَا أُسْقِطَتْ الطَّهَارَةُ فَقَدْ نُسِخَ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ وَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً. نَعَمْ كَانَ حُكْمُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَنْ لَا تُجْزِئَ وَالْآنَ صَارَتْ مُجْزِئَةً، لَكِنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمٍ أَصْلِيٍّ لَا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ تَكُنْ مُجْزِئَةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُورًا بِهَا شَرْعًا.

فَإِنْ قِيلَ: كَانَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مُتَعَلِّقَةً بِالطَّهَارَةِ فَنُسِخَ تَعَلُّقُ صِحَّتِهَا بِهَا شَرْعًا فَهُوَ نَسْخٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، فَالصَّلَاةُ مَعَ الطَّهَارَةِ غَيْرُ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ كَمَا أَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْأَرْبَعِ، فَلْيَكُنْ هَذَا نَسْخًا لِتِلْكَ

<<  <   >  >>