للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣

- فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية

كَفَّارَة الْيَمين هِيَ الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْمَائِدَة قَالَ تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَمَتَى كَانَ وَاحِدًا فَعَلَيهِ أَن يكفر بِإِحْدَى الثَّلَاث فَإِن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَإِذا اخْتَار أَن يطعم عشرَة مَسَاكِين فَلهُ ذَلِك وَمِقْدَار مَا يطعم مَبْنِيّ على أصل وَهُوَ أَن إطعامهم هَل هُوَ مُقَدّر بِالشَّرْعِ أَو بِالْعرْفِ فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء مِنْهُم من قَالَ هُوَ مُقَدّر بِالشَّرْعِ وَهَؤُلَاء على أَقْوَال

مِنْهُم من قَالَ يطعم كل مِسْكين صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو نصف صَاع من بر كَقَوْل أبي حنيفَة وَطَائِفَة

وَمِنْهُم من قَالَ يطعم كل وَاحِد نصف صَاع من تمر أَو شعير أَو ربع صَاع من بر وَهُوَ مد كَقَوْل أَحْمد وَطَائِفَة

وَمِنْهُم من قَالَ بل يجزىء فِي الْجَمِيع مد من الْجَمِيع كَقَوْل الشَّافِعِي وَطَائِفَة

وَالْقَوْل الثَّانِي أَن ذَلِك مُقَدّر بِالْعرْفِ لَا بِالشَّرْعِ فيطعم أهل كل بلد من أَوسط مَا يطْعمُون أَهْليهمْ قدرا ونوعا وَهَذَا معنى قَول مَالك قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق كَانَ مَالك يرى فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن الْمَدّ يجزىء بِالْمَدِينَةِ قَالَ مَالك وَأما الْبلدَانِ فَإِن لَهُم عَيْشًا غير عيشنا فَأرى أَن يكفروا بالوسط من عيشهم لقَوْل الله تَعَالَى {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم} وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَأَصْحَابه مُطلقًا

وَالْمَنْقُول عَن أَكثر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ هَذَا القَوْل وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ الْأَوْسَط خبز وَلبن خبز وَسمن خبز وتمر والأعلى خبز وَلحم وَقد بسطنا الْآثَار عَنْهُم فِي غير هَذَا الْموضع وَبينا أَن هَذَا القَوْل هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يدل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَالِاعْتِبَار وَهُوَ قِيَاس مَذْهَب أَحْمد وأصوله فَإِن أَصله أَن مَا لم يقدره الشَّارِع فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَهَذَا لم يقدره الشَّارِع فَيرجع فِيهِ إِلَى الْعرف لَا سِيمَا مَعَ قَوْله تَعَالَى {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} فَإِن أَحْمد لَا يقدر طَعَام الْمَرْأَة وَالْولد وَلَا الْمَمْلُوك وَلَا يقدر أُجْرَة الْأَجِير الْمُسْتَأْجر بطعامه وَكسوته فِي ظَاهر مذْهبه وَلَا يقدر الضِّيَافَة الْوَاجِبَة عِنْده قولا وَاحِدًا وَلَا يقدر الضِّيَافَة الْمَشْرُوطَة على أهل الذِّمَّة للْمُسلمين فِي ظَاهر مذْهبه هَذَا مَعَ أَن هَذِه وَاجِبَة بِالشّرطِ فَكيف يقدر طَعَاما وَاجِبا بِالشَّرْعِ بل وَلَا يقدر الْجِزْيَة فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَلَا الْخراج وَلَا يقدر أَيْضا الْأَطْعِمَة الْوَاجِبَة مُطلقًا سَوَاء وَجَبت بشرع أَو شَرط وَلَا غير الْأَطْعِمَة مِمَّا وَجَبت مُطلقًا فطعام الْكَفَّارَة أولى أَن لَا يقدر

والأقسام ثَلَاثَة فَمَا لَهُ حد فِي الشَّرْع أَو اللُّغَة رَجَعَ فِي ذَلِك إِلَيْهِمَا وَمَا لَيْسَ لَهُ حد فيهمَا رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْعرف وَلِهَذَا لَا يقدر للعقود ألفاظا بل أَصله فِي هَذِه الْأُمُور من جنس أصل مَالك كَمَا أَن قِيَاس مذْهبه أَن يكون الْوَاجِب فِي صَدَقَة الْفطر نصف صَاع من بر وَقد

<<  <  ج: ص:  >  >>