للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ حرم مَا ذبح على النصب وَهِي كل مَا ينصب ليعبد من دون الله

وَأما احتجاج أَحْمد على هَذِه الْمَسْأَلَة بقوله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فَحَيْثُ اشْترطت التَّسْمِيَة فِي ذَبِيحَة الْمُسلم هَل تشْتَرط فِي ذَبِيحَة الْكِتَابِيّ على رِوَايَتَيْنِ وَإِن كَانَ الْخلال هُنَا قد ذكر عدم الِاشْتِرَاط فاحتجاجه بِهَذِهِ الْآيَة يخرج على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

فَلَمَّا تعَارض الْعُمُوم الحاظر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} والعموم الْمُبِيح وَهُوَ قَوْله {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك

وَالْأَشْبَه بِالْكتاب وَالسّنة مَا دلّ عَلَيْهِ أَكثر كَلَام أَحْمد من الْحَظْر وَإِن كَانَ من متأخري أَصْحَابنَا من لَا يذكر هَذِه الرِّوَايَة بِحَال وَذَلِكَ لِأَن عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} {وَمَا ذبح على النصب} عُمُوم مَحْفُوظ لم تخص مِنْهُ صُورَة بِخِلَاف طَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهُ الذَّكَاة المبيحة فَلَو ذكى الْكِتَابِيّ فِي غير الْمحل الْمَشْرُوع لم تبح ذَكَاته وَلِأَن غَايَة الْكِتَابِيّ أَن تكون ذَكَاته كَالْمُسلمِ وَالْمُسلم لَو ذبح لغير الله أَو ذبح باسم غير الله لم يبح وَإِن كَانَ يكفر بذلك فَكَذَلِك الذِّمِّيّ لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم} سَوَاء وهم وَإِن كَانُوا يسْتَحلُّونَ هَذَا وَنحن لَا نستحله فَلَيْسَ كل مَا اسْتَحَلُّوهُ يحل لنا

وَلِأَنَّهُ قد تعَارض دليلان حاظر ومبيح فالحاظر أولى أَن يقدم

وَلِأَن الذّبْح لغير الله أَو باسم غَيره قد علمنَا يَقِينا أَنه لَيْسَ من دين الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَهُوَ من الشّرك الَّذِي أحدثوه فَالْمَعْنى الَّذِي لأَجله حلت ذَبَائِحهم مُنْتَفٍ فِي هَذَا وَالله تَعَالَى أعلم

فَإِن قيل مَا إِذا سموا عَلَيْهِ غير الله بِأَن يَقُولُوا باسم الْمَسِيح وَنَحْوه فتحريمه ظَاهر أما إِذا لم يسموا أحدا وَلَكِن قصدُوا الذّبْح للمسيح أَو للكوكب وَنَحْوهمَا فَمَا وَجه تَحْرِيمه

قيل قد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ قد حرم مَا ذبح على النصب وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيمه وَإِن كَانَ ذابحه كتابيا لِأَنَّهُ لَو كَانَ التَّحْرِيم لكَونه وثينا لم يكن فرق بَين ذبحه على النصب وَغَيرهَا وَلِأَنَّهُ لما أَبَاحَ لنا طَعَام أهل الْكتاب دلّ على أَن طَعَام الْمُشْركين حرَام فتخصيص مَا ذبح على الوثن يَقْتَضِي فَائِدَة جَدِيدَة

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذكر تَحْرِيم مَا ذبح على النصب وَمَا أهل بِهِ لغير الله وَقد دخل فِيمَا أهل بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>