للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُرْسَلًا، وَلَوْ صَحَّ لَرُفِعَ النِّزَاعُ.

وَكَوْنُهُ لَا رِيَاءَ فِيهِ مَعْنَاهُ فِي فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ رِيَاءً فَإِنَّمَا يَقَعُ الرِّيَاءُ فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلَهَا، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ إِلْحَاقَ الذِّكْرِ بِالصَّوْمِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهِ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ وَلَا يَشْعُرُ الْحَاضِرُونَ.

ثَانِيهَا: مَعْنَاهُ أَنَا الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَظْهَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَيْهَا وَلَا يُبْطِلُهُ كَمَا ادَّعَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا قَدْرُ ثَوَابِهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

ثَالِثُهَا: مَعْنَاهُ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ إِلَيَّ وَالْمُقَدَّمُ عِنْدِي، وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَفَى بِهِ فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِلنَّسَائِيِّ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ".

رَابِعُهَا: الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَنَاقَةُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ، مَعَ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِلَّهِ.

قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: التَّخْصِيصُ فِي مَوْضِعِ التَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا التَّشْرِيفُ وَالتَّعْظِيمُ.

خَامِسُهَا: أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا تَقَرَّبَ إِلَيْهِ الصَّائِمُ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ.

سَادِسُهَا: الْمَعْنَى كَذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ.

سَابِعُهَا: أَنَّهُ خَاصٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ حَظٌّ فِيهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَظِّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ لِلْعِبَادَةِ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَبِهِ أَفْصَحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: لَا حَظَّ فِيهِ لِلصَّائِمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَهُ فِيهِ حَظٌّ لِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، أَيْ وَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ انْبِسَاطِ نَفْسِهِ بِهِ أَصْلًا غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَيُوجَدُ لِلنَّفْسِ فِيهَا حَظٌّ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فَلَهُ فِيهِ حَظُّ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّدَفِّي، وَكَالْحَجِّ فَلَهُ فِيهِ حَظُّ التَّنَفُّلِ وَالتَّفَرُّجِ عَلَى الْأَمْكِنَةِ وَهَكَذَا، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَلْ يَكُونُ غَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

ثَامِنُهَا: سَبَبُ إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عُبَّادَ النُّجُومِ وَأَصْحَابَ الْهَيَاكِلِ وَالِاسْتِخْدَامَاتِ يَتَعَبَّدُونَ لَهَا بِالصِّيَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا فَعَّالَةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِطَائِلٍ لِأَنَّهُمْ طَائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تَعْتَقِدُ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَبَقِيَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ، وَالْأُخْرَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَبَقِيَ عَلَى تَعْظِيمِ الْكَوَاكِبِ وَهُمُ الَّذِينَ أُشِيرَ إِلَيْهِمْ.

تَاسِعُهَا: أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ يُوَفَّى مِنْهَا مَظَالِمُ الْعِبَادِ إِلَّا الصِّيَامُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْمُقَاصَّةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ كَبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ فِيهِ «الْمُفْلِسَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>