للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يُلْحِقُ، (وَالْجَفَاءِ) الْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ، (لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ) ، قَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِنَّمَا كُرِهَ صِيَامُهَا لِذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ صَامَهَا رَغْبَةً لِمَا جَاءَ فِيهَا فَلَا كَرَاهَةَ.

وَفِي مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» "، قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ وَالسِّتَّةَ تَمَامُ السَّنَةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ شُيُوخُنَا: إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُلْحِقَ الْجَهَلَةُ بِرَمَضَانَ غَيْرَهُ.

أَمَّا صَوْمُهَا عَلَى مَا أَرَادَهُ الشَّرْعُ فَلَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ وَجَدَ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ وَصْلَ صَوْمِهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، فَلَوْ صَامَهَا أَثْنَاءَ الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ سِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ مَالِكًا مُتَحَفِّظًا كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ، ـ وَالصِّيَامُ عَمَلُ بِرٍّ ـ فَلَمْ يَرَهُ مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى الْجَهَلَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ انْتَهَى.

وَوَجْهُ كَوْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ فِيهِ سَعْدَ بْنَ سَعِيدٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ أَيْ وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ قَوْلُهُ رَأَيَا إِذِ الْحَسَنَةُ بِعَشَرَةٍ فَلَهُ عِلَّتَانِ الِاخْتِلَافُ فِي رَاوِيهِ وَالْوَقْفُ.

(وَقَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَقَلَّمَا رَأَيْتُهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَطُّ» وَحَدِيثُ: " «مَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ غُرٍّ زُهْرٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ لَا تُشَاكِلُهُنَّ أَيَّامُ الدُّنْيَا» (وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قِيلَ إِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَقِيلَ: صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، (يَصُمْهُ وَأُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّهُ (كَانَ يَتَحَرَّاهُ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَتَى بِهِ إِخْبَارًا لَا اخْتِيَارًا لِفِعْلِهِ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةَ صَوْمِ يَوْمٍ مُوَقَّتٍ أَوْ شَهْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لَهُ بِكَرَاهَةِ قَصْدِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ» وَفِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» زَادَ مُسْلِمٌ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَلِلنَّسَائِيِّ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

فَلِذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِهِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>