للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْوَاوِ وَالسِّينِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمْعُ أَوْسَطَ وَهُوَ جَمْعُ وَسِيطٍ، كَمَا يُقَالُ: كَبِيرًا وَأَكْبَرًا وَأَكْبَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمٌ لِجَمْعِ الْوَقْتِ عَلَى التَّوْحِيدِ كَوَسَطِ الدَّارِ وَوَسَطِ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ قُرِئَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسِّينِ فَهَذَا عِنْدِي مَعْنَاهُ (مِنْ رَمَضَانَ) فِيهِ مُدَاوَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ رَمَضَانُ لَا بِقَيْدِ وَسَطِهِ إِذْ هُوَ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ.

(فَاعْتَكَفَ عَامًا) مَصْدَرُ عَامَ إِذَا سَبَحَ فَالْإِنْسَانُ يَعُومُ فِي دُنْيَاهُ عَلَى الْأَرْضِ طُولَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ غَرِقَ فِيهَا أَيِ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ فِي عَامٍ، (حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةً) بِالنَّصْبِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " كَانَ " التَّامَّةِ بِمَعْنَى ثَبَتَ نَحْوَهُ، (إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا) ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ صُبْحِهَا) رِوَايَةُ يَحْيَى وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ يَخْرُجُ فِيهَا (مِنِ اعْتِكَافِهِ) لَمْ يَقُولُوا مِنْ صُبْحِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنِ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطَهُ خَرَجَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ اعْتِكَافِهِ، وَمَنِ اعْتَكَفَ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ خَطَبَ أَوَّلَ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَأَوَّلُ لَيَالِي اعْتِكَافِهِ الْآخِرِ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فَيُخَالِفُ قَوْلَهُ آخِرَ الْحَدِيثِ: " «فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ» "، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي صُبْحِ الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ، وَوُقُوعُ الْمَطَرِ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِبَقِيَّةِ الطُّرُقِ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَجُوُّزًا أَيْ مِنَ الصُّبْحِ الَّذِي قَبْلَهَا فَنِسْبَةُ الصُّبْحِ إِلَيْهَا مَجَازٌ.

وَحَكَى الْمُطَرِّزُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَجْعَلُ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الْآتِيَةِ بَعْدَهُ وَمِنْهُ: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: ٤٦] (سُورَةُ النَّازِعَاتِ: الْآيَةُ ٤٦) فَأَضَافَهُ إِلَى الْعَشِيَّةِ وَهُوَ قَبْلَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةٍ تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْإِيضَاحِ.

وَقَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ: الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا كَانَ الْمُسْتَقْبَلُ مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ (قَالَ مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي) الْعَشْرَ الْوَسَطَ (فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِإِدْخَالِهِ اللَّيْلَةَ الْأُولَى.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " «فَخَطَبَنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ» "، وَفِي أُخْرَى لَهُمَا: " «فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ» ".

وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ فَأَخَذَهُ فَنَحَّاهُ فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ كَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>