للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِذَلِكَ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهَا الَّتِي لَا شَعَرَ فِيهَا.

(وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا) أَيِ النِّعَالِ أَيْ يَتَوَضَّأُ وَيَلْبَسُهَا وَرِجْلَاهُ رَطْبَتَانِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

(فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهُمَا) اقْتِدَاءً بِهِ، ( «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا» ) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: الْمُرَادُ صَبْغُ الشَّعَرِ، وَقِيلَ: صَبْغُ الثَّوْبِ، قَالَ: وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَبَغَ شَعَرَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَيَّنَ فِيهَا تَصْفِيرَ ابْنِ عُمَرَ لِحْيَتَهُ، وَاحْتَجَّ «بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ احْتِجَاجَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ، وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَتَطَيَّبُ بِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا شَعَرَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ إِلَّا ثِيَابَهُ، وَأَمَّا الْخِضَابُ فَلَمْ يَكُنْ يَخْضِبُ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: " «انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ ذُو وَفْرَةٍ وَفِيهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ» "، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْخِضَابِ فِي لِحْيَتِهِ فَقَطْ.

(وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ تَسْتَوِي قَائِمَةً إِلَى طَرِيقِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَابَاتِهِ نَصٌّ فِي عَيْنِ مَا سُئِلَ عَنْهُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ فِي الرَّابِعِ أَجَابَ بِضَرْبٍ مِنَ الْقِيَاسِ، وَوَجَّهَ أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ فِي حَجِّهِ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ إِنَّمَا يُهِلُّ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ أَخَّرَ هُوَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَبْعَدَ مَنْ قَالَ هَذَا قِيَاسٌ بَلْ هُوَ تَمَسُّكٌ بِنَوْعِ الْفِعْلِ الَّذِي رَآهُ يَفْعَلُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا رَآهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ فَقَطْ، بَلْ رَآهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَاسَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهَا مِيقَاتُ الْكَائِنِ بِمَكَّةَ فَأَحْرَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ التَّوَجُّهِ إِلَى مِنًى وَالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ قِيَاسًا عَلَى إِحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِيقَاتِ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ، فَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمَازِرِيُّ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ ابْنُ عُمَرَ بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ نَزَعَ بِهَا فَأَخَذَ بِالْعُمُومِ فِي إِهْلَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُهِلُّ الْحَاجُّ إِلَّا فِي وَقْتٍ يَتَّصِلُ لَهُ عَمَلُهُ وَقَصْدُهُ إِلَى الْبَيْتِ وَمَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ وَالشَّعَائِرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَاتَّصَلَ لَهُ عَمَلُهُ.

وَوَافَقَ ابْنَ عُمَرَ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَحَمَلَ شُيُوخُنَا رِوَايَةَ اسْتِحْبَابِ الْإِهْلَالِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ، وَرِوَايَةَ اسْتِحْبَابِهِ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>